محمد السداني يكتب: التعليم في الكويت وصل مرحلة من التردي لا يمكن لأي عاقل أن يصدقها
سدانيات- باب التعليم مخلَّع
يسدل الستار عن آخر فصل من المسرحية الهزلية في كل عام بداية شهر يوليو لتبدأ فصلها الأول في منتصف سبتمبر. مسرحية مملة مدتها سنة كاملة – عام دراسي كامل – يكون الطالب فيه مجبورا بالمشاركة فيها من دون رغبة أو حاجة، فيلبس لبساً لا يرغب به ويذهب يومياً إلى مكان لا يشعر فيه بالراحة، يقرأ قصصا عن فرسان وبطولات لا توجد في يومنا هذا إلا في كتب التاريخ المنسي، ويستمع إلى معلمين همهم الوحيد الانتهاء من المنهج الدراسي المفروض أيضا من وزارة، لا تعرف هل هذا المنهج مناسب لطلابها أم لا، وهل النظام التعليمي مناسب لأبنائها أم لا…
إن التعليم في الكويت وصل مرحلة من التردي لا يمكن لأي عاقل أن يصدقها، فنحن بلد المليارات لا نملك تعليماً حقيقياً بالفعل. لا نملك تعليماً يجعل الطالب يتساءل عما يحيط به من علامات استفهام. لا نملك تعليماً يجعل الطالب مفكراً ناقداً قافزاً على نظريات الجمود الفكري التي جعلت منه آلة للنسخ وآلة للتطبيل عندما يحضر مسؤولو الوزارة لزيارتهم في الفصول، لم نصل إلى هذه المرحلة عن طريق الصدفة، ولكنَّها نتاج سنوات من الإهمال المتعمد للتعليم من قبل الدولة وأول عناصر هذا الإهمال وضع الرجل غير المناسب في المكان المناسب، فصارت المناصب في الوزارة تقسم على العائلة والقبيلة والطائفة وللترضية لفلان وفلان، وهذا أدى إلى أنَّ من جاء بالباراشوت على كرسي المسؤولية أصبح ينظر في واقع التعليم وتطويره وهو لا يعرف الفرق بين التاء المربوطة والمفتوحة.
لم تقتصر المحسوبية التي دمرت وزارة التربية وجعلت منها وزارة – لم يسقط أحد – على مناصبها القيادية بل تخطى الأمر إلى مراكزها التابعة فتجد ابن الخمسة والعشرين عاماً مديراً لإدارة قياس وتقويم، وهو حاصل على شهادة في التسويق، وقِس على ذلك كثيرا. والحق يقال ان التطوير في وزارة التربية ملحوظ في مكاتب مسؤوليها من فخامة و- أُبهة – وفعالياتهم التي تكلف الدولة آلاف الدنانير من دون فائدة واحدة تذكر، فكل مسؤول يطَبِّلُ للآخر لكي يحمله معه في التدوير القادم أو دورة الإحالات السنوية على التقاعد.
لقد اهتمت وزارة التربية بالشكل، فصنعت مدارس جميلة، وأعطت الطلاب أحدث الأجهزة الإلكترونية (المستأجرة) والتي كلفت الدولة ملايين الدنانير، ولم تهتم بعقل الطالب، فجمدته في مناهج لا تواكب عصره وفهمه. وأهملت المعلم فكان تطويره شكليا لإرضاء المسؤولين، وعندما حاول المعلم أن يكمل دراسته مطورا من نفسه بالدرجات العليا قامت الوزارة – غير مشكورة – بمنع الإجازات الدراسية، فكأنها بهذا تهدم ركني العملية التعليمية الطالب والمعلم.
في حوار مع مسؤول في وزارة التربية سابق، قلت له كيف يصبح المسؤول في وزارة التربية مسؤولاً، فقال لي: «اشتغل وايد تغلط وايد تصير مكروه وايد، اشتغل شوية تغلط شوية تصير محبوب وايد»… فعرفت أنَّ سر نجاح الكثير من مسؤولي الوزارة هو «الشوية».
محمد السداني