حركة النشر في الكويت .. غزارة ورقابة وكتب بلا تصنيف
نفرح، بلا شك، لهذه الطفرة الكبيرة في ارتفاع عدد الكتب التي تصدرها دور النشر في الكويت، وكذلك نسعد بأن تقتحم الساحة دور نشر شبابية كويتية عدّة، وتخرج لنا بأسلوب جديد بالترويج والتوزيع.
ونبتهج عندما نتجول في معرض الكتاب السنوي ونجد تجمهرا على دار نشر شبابية، حيث إن هذا المنظر غير مألوف من قبل، ولم نعتده إلا على تجمع في جمعية تعاونية في يوم رمضاني لشراء ما يسد البطن ويغري الحلق. لكن أن نرى تجمعاً كبيراً أمام جناح يبيع كتبا، فهذا أمر يُبهج الصدر، فهل تيقن الكثيرون أخيراً أن العقل بحاجة إلى أن يزوَّد بفكر وعلم وثقافة، أم أن شبكات التواصل لها دور اكبر في ترويج الكتاب؟
قبل شهر كنت في مكتبة ما، وبينما كنت مشغولاً بتصفح أحد الكتب، دخل مجموعة من الشباب الكويتي، ربما خمسة، وكانوا يتجولون بين الأرفف، واسمعهم يبحثون عن كتب في الفلسفة والمنطق، وكان احدهم يردد بصوت مسموع الكتب التي يُبحث عنها، فرحت طبعاً.
سيل من الإصدارات
لكن للأسف في خضم سيل تلك الإصدارات التي تخرجها المطابع هناك من يقتحم الكتابة وهو لا يعرف مساراتها، وإنما الكتابة بقصد حب الظهور المؤقت فقط، لهذا تجد أن بعض ما يُقدم بعيد جداً عن ما يُفترض.
تذكر لنا زميلة أنها كانت تقف أمام جناح دار نشر في معرض الكتاب السنوي في الكويت، وكان هناك أحد الشباب يوقع إصداره الأول ويقول لقارئة طلبت توقيعه: «تصدقين هذه روايتي الأولى رغم انني في حياتي لم اقرأ رواية».
وفي احد الأيام لمحت على أحد الأرفف كتاباً لكاتب شاب على ما يبدو، كون اسمه بدا مجهولا بالنسبة لي. على غلاف الكتاب دوِّن رقم الطبعة: 23. لم استوعب، لكن عندما سألت الناشر لم ينف ذلك. لكن حتى الآن لم اتقبل ما سمعت، حيث ان اغلب الكُتب الرصينة لكتاب كبار لا تصل لعدد طبعات تعادل أصابع اليد الواحدة.
الحكم للقارئ
في عام 2014 صدر لي كتاب بعنوان «هناك حيث الرف العالي.. قراءات في السرد الكويتي الجديد» عن مكتبة افاق، والكتاب يعرض لتجربة 30 كاتباً من الشباب الكويتي ومساهمتهم في كتابة القصة والرواية، ومادة الكتاب جاءت اجتهاداً مني ليس إلا، وكنت قد اخترت أفضل ما صدر من كتب وجدتها على أرفف المكتبات، أو ما وصل إلي كإهداء من قبل أصحابها. دفعت بكتابي إلى المطبعة ليس باعتباري ناقدا، وإنما كمُتلقٍ.
لكن بعد ذلك العام أخرجت دور النشر الكثير من الإصدارات: مجموعات قصصية وروايات وغيرها، وراحت هذه الدور تدفع بالعديد من الكُتب ومن الأسماء الجديدة كل عام. وكثيراً ما يصلني سؤال ما هو انطباعك عن سيل هذه الإصدارات؟ وكنت أقول إنه أمر جيد، ويحدث في كل العالم أن تدفع دور النشر بالعديد من الإصدارات، لكن الُمتميز هو الذي يلقى الرواج والاستمرار بالنهاية، لهذا دعونا نترك الناس تكتب.
شروط الكتابة
وفي كتابي الآنف الذكر، ألمحت إلى أن عملية الكتابة، في النهاية، هي تجسيد للموهبة والقراءات، ومقدرة على المعالجة الذهنية والتحليل، وان يعي الكاتب ما يدور حوله من أحداث. الموهبة تكون فطرية بالأساس، وهي حُب الكتابة والقراءة. أما القراءات فمن المفترض أن من يخوض في مجال الإبداع قارئ جيد ومطلع على كل فنون الأدب والثقافة، كون ما يطلع عليه يمثل المخزون الفكري له، ويحدد مسارا جيدا للاستفادة من تجارب آخرين سبقوه. أما المعالجة الذهنية فهي ألا يكون الكاتب كأي إنسان عادي يؤمن بكل ما يقرأ أو يسمع، إنما لديه القدرة على التحليل الذهني والمعالجة، حتى يتوصل إلى استنتاج عن ثمرة التفكير، الذي قد يكون مُخالفاً لما هو سائد، وآخرها أن يكون الكاتب راصداً لما يدور حوله من أحداث في داخل مجتمعه أو خارجة، لان ما يجري حوله هو فتيل يشعل جذوة الكتابة لديه.
الجنس الأدبي
أخيراً، نعود الى عنوان هذا المقال، هو انني غالباً ما أجد على الأرفف كتباً بلا جنس، وأعني أن هناك ما يُعرف في مجال الإبداع والنشر بالجنس الأدبي للإصدار، لهذا قد تجد كتابا صدر عن دار نشر، طباعته راقية، بغلاف وعنوان جميل واسم لكاتب ما، ولكن لم يُحدد الجنس الأدبي على غلاف الكتاب، هل هو مجموعة قصصية أم رواية أم ديوان شعر أم نصوص أم خواطر؟ لهذا يفترض أن يُحدد الناشر أو الكاتب الجنس الأدبي لإصداره، حتى لا يقع القارئ في حيرة ويضطر الى أن يتفحص الكتاب ويقلب أوراقه ورقة ورقة لمعرفة جنسه الأدبي المجهول.
معوّقات النشر
قبل شهر جلست مع أصحاب دار نشر شبابية، ومن خلال الحوار اكتشفت معاناة دور النشر جميعها من جهات حكومية، حيث يرون ان هناك تعسفا غير مُبرر من قبل الرقيب، وهناك حرب ضد نشر الكتاب وتوزيعه، حيث أخيرا لا يُسمح ببيع الكتب في مكتبات الجمعيات التعاونية، بحجة ان ترخيص تلك المكتبات لبيع القرطاسية فقط وليس لبيع الكتب، لهذا قامت بعض الجمعيات بسحب الكتب من مكتباتها، ولا نعرف أي مُبرر لهذا القرار الحكومي، وهنا نطرح سؤالنا الحائر: إذا كان الناشر لا يبيع كتبه في المكتبات، أين يبيعها؟ هل يبيعها في سوق الخضار؟ في الحقيقة لا اعرف.
في خطة الحكومة السنوية هناك هدف هو دعم الثقافة، لهذا أليس من الأجدى دعم دور النشر ودعم ترويج الكتب، وان يكون الدعم مساوياً لدعم أصحاب الثروة الحيوانية والثروة الزراعية، وأن يكون هناك دعم مالي وتخصيص أراض لتلك الدور أسوة بالذين ينتجون للبطون؟ أو أليس من الأفضل أن يكون الدعم كذلك لمن ينتجون لتنمية العقول وهم أصحاب الثروة الفكرية؟ أنا شخصياً اعتقد ذلك.
القبس