«جونو» تلتقي كوكب المشتري الإثنين المقبل
بعد رحلة في الفضاء البعيد، استغرقت تسعة وخمسين شهراً، قطعت خلالها قرابة ثلاثة مليارات ومئتي مليون كيلومتر، سوف تعلن مركبة الفضاء الأميركية غير المأهولة (جونو) عن وصولها ليل الإثنين المقبل إلى مدار كوكب المشتري بأبسط وأقصر إشارة لاسلكية مدتها ثلاث ثوانٍ فقط.
ويتوقع علماء وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) أن يسمعوا الإشارة «بيب بيب»، لتعلن بدء تشغيل أحد محركات المركبة طوال 35 دقيقة، من أجل تمكينها من خفض سرعتها لتصبح 1920 كيلومتراً في الساعة، مما يسمح لجاذبية كوكب المشتري بالتأثير على المركبة، وسيكون ذلك في الساعة 11.53 من ليل الإثنين 4 يوليو الجاري، حسب توقيت شرق الولايات المتحدة.. 6:53 من صباح الثلاثاء بتوقيت الكويت.
وكانت وكالة الفضاء أطلقت المركبة، التي تزن أربعة أطنان، في الخامس من أغسطس عام 2011، وهي مزودة بثلاثة أجنحة، طول كل منها ثلاثون قدماً مغطاة بالكامل بثمانية عشر ألفاً و696 خلية شمسية متصلة ــ منفصلة، لتزويد المركبة بأكبر قدر من الطاقة الشمسية، حتى تستطيع القيام بالرحلة الأطول في عالم اكتشاف الفضاء.
يقول ريك نايباكن مدير مشروع «جونو»: حين تتم هذه المرحلة سوف تسمعون الكثير من التصفيق والتهليل، لأن ذلك سوف يعني أننا دخلنا مدار المشتري.. إنه إنجاز عظيم.
يضيف أن مهمة هذه المركبة، التي بلغت تكاليفها أكثر من مليار ومئة مليون دولار، تتلخص في اكتشاف الألغاز الموجودة تحت قمم السحب الغازية التي تحيط بالمشتري، وكم يبلغ بُعد البقعة الحمراء الكبيرة، التي تلف الكوكب منذ قرون، بالإضافة إلى الألغاز الكثيرة عما يوجد داخل أكبر كوكب في المجموعة الشمسية.
ويعرب علماء «ناسا» عن الأمل في أن تساعدهم مهمة «جونو» على معرفة المزيد عن أصل كوكب المشتري وتركيبته وأجوائه وغلافه المغناطيسي أيضاً.
أما ديان براون، المديرة التنفيذية لمشروع «جونو»، فتقول: لدينا الكثير من الأسئلة، وها هي جونو تستعد لمساعدتنا على معرفة الإجابات الصحيحة.
صور مدهشة
تجدر الإشارة إلى أن المركبة جونو هي أول مركبة تدور حول كوكب المشتري منذ أكثر من عقد، فقد سبق لوكالة الفضاء الأميركية أن أطلقت المستكشف الآلي «غاليليو»، الذي أمضى ثمانية أعوام في مدار حول المشتري، وأرسل إلى الأرض صوراً مدهشة للكوكب الغازي العملاق وللأقمار العديدة التي تدور في فلكه.
وقد كشفت تلك الصور ما يعتقد أنه محيط شاسع تحت القشرة المتجمدة لسطح أحد تلك الأقمار، والمسمى «أوروبا»، مما جعل العلماء يعتقدون أنه ربما يكون مكاناً محتملاً للحياة داخل المجموعة الشمسية.
أما هذه المرة فمهمة المركبة «جونو» سوف تتركز على كوكب المشتري نفسه، وبالذات على ما لا يمكن رؤيته تحت خطوط السحب الملونة.
النظام الشمسي
الدكتور سكوت بولتن من معهد «ساوث ويست» للأبحاث الفضائية في سان أنطونيو بولاية تكساس يقول إن الأهداف الرئيسية للمركبة «جونو» هي توضيح تركيبة النظام الشمسي وكيف تكَوَّن.
ومن المعروف أن المشتري عملاق بين مجموعة من الكواكب تسمى «الكواكب الغازية العملاقة» إذ ان كتلته الغازية أكثر كثافة من كتلة الكوكب زحل بثلاث مرات، كما أنه كما يقول العلماء أكثر بكثير من مجرد كتلة هائلة من الهيدروجين والهيليوم.
يضيف بولتن أن ما يثير العلماء هي تلك الكميات الصغيرة من عناصر أثقل مثل الليثيوم والكربون والنيتروجين.. فالمشتري غني جداً بالهيدروجين والهيليوم إذا ما قورن بالشمس.. لا نعرف بالضبط كيف حدث ذلك، لكن ما نعرفه هو أن هذه الحقيقة مهمة جداً وسبب الأهمية أن هذه العناصر الموجودة بكثرة في المشتري هي نفسها مكونات الكرة الأرضية.. ومنها تكونت الحياة.
انتظار ومتابعة
في الرابع من يوليو، وبمجرد أن ينطلق محرك خفض السرعة، لن يكون أمام العلماء المنتظرين على أحر من الجمر في مركز المتابعة الأرضية في باسادينا بولاية كاليفورنيا سوى الانتظار ومتابعة الأجهزة.
إذا حدث أي خطأ لن يكون في استطاعة أحد أن يفعل شيئاً، فالإشارة اللاسلكية الموعودة سوف تحتاج 48 دقيقة كي تصل إلى الأرض، أي أن الإشارة التي ستعني أن محرك خفض السرعة قد اشتغل سوف تصل إلى الأرض بعد أن يكون هذا المحرك قد توقف عن العمل، إذ انه سيعمل لمدة 35 دقيقة فقط، وهي الفترة اللازمة لوصول المركبة إلى مدار جاذبية المشتري.
وإذا توقف المحرك نهائياً، ستبقى المركبة في المدار لكن في مدار مختلف تماماً عما خطط العلماء.
النجاح فقط
يقول نايباكن: لم نخطط لمثل هذه النهاية، لأننا ركزنا على نجاح المهمة وليس على احتمالات الفشل.
يضيف: في حال فشل المهمة فسوف تترك المركبة مدار المشتري يوماً ما وتصبح جسماً بلا فائدة يدور حول الشمس.
سلسلة إشارات
ليل الإثنين 4 يوليو سوف يتلقى العلماء في مركز المراقبة الأرضية سلسلة من إشارات اللاسلكي تستغرق كل منها ثلاث ثوانٍ وبذبذبات مختلفة، معلنة عما يجري للمركبة.
يوضح علماء «ناسا» أن توجيه محرك المركبة في الاتجاه الصحيح يعني حتماً أن الهوائي الرئيسي فيها لن يكون موجهاً نحو الكرة الأرضية، مما يعني عدم القدرة على توجيه أي إشارات أو معلومات مفصلة، وفي الفترة الأولى لن ترسل المركبة أي صور أو معلومات، لأن أجهزتها تكون قد توقفت يوم الأربعاء الماضي، أي قبل وصولها إلى المدار المطلوب بخمسة أيام، ولن تعود للعمل قبل مرور يومين على وصولها إلى هذا المدار.
فيلم وثائقي
تسلمت وكالة الفضاء الأميركية من المركبة جونو مجموعة كبيرة من الصور عن رحلتها الفضائية منذ إطلاقها حتى اقترابها من المشتري وسوف تعرضها على صورة فيلم وثائقي في الرابع من يوليو.
مدار بيضاوي
خلال هذه المهمة سوف تدور المركبة 37 مرة حول المشتري في مدار بيضاوي بين القطبين الشمالي والجنوبي طوال عشرين شهراً. وخلال بعض هذه الدورات سوف تحلق على ارتفاع ثلاثة آلاف قدم فوق الغيوم الغازية، مما يسمح للعلماء في مراكز المراقبة الأرضية لإلقاء أول نظرة عن قرب على هذا الكوكب.
وفي بعض مراحل دوراتها ستكون المركبة على بعد ثلاثة ملايين كيلومتر، وهي أبعد نقطة عن الكوكب الغازي العملاق خلال هذه المهمة.
وفي كل دورة حول المشتري سوف تزيد المركبة سرعتها، وهي تقترب من السحب المحيطة به، لتصبح مئتي ألف كيلومتر في الساعة.
جدول أعمال طويل
يوضح علماء الفضاء أن أمام «جونو» جدول أعمال طويلاً ومكثفاً، إذ سيكون في إمكانها معرفة كثافة الأجزاء الداخلية للكوكب عبر قياس التقلبات الخفيفة في جاذبية المشتري، التي ستكون في حدود عشرة مليارات رطل على البوصة المربعة الواحدة، وذلك لمعرفة إذا كان باطن الكوكب يحتوي صخوراً.
يقول الدكتور بولتن: في الحقيقة لا نعرف إن كانت هناك صخور أو نواة صلبة في باطن المشتري.. فإذا كانت هناك صخور أو نواة صلبة فسيكون في الإمكان ساعتها معرفة متى وكيف مع القليل عن أصل المشتري وكيف تَكَوَّن.
أجهزة علمية
من بين الأجهزة العلمية الموجودة على المركبة «جونو» جهاز دقيق لقياس قوة المجال المغناطيسي للمشتري، بالإضافة لكاميرا تعمل بالأشعة تحت الحمراء لملاحظة وتسجيل هالات الشفق المتوهج حول القطبين.
كذلك يوجد جهاز علمي متقدم جداً لقياس قوة الضغط الهائل، الذي يحول الهيدروجين الموجود على السطح من حالته الغازية إلى سائل، وفي الأعماق فإن الضغط الشديد جداً يبعثر إلكترونات الهيدروجين ويحولها إلى معدن.
يعرب العلماء عن اعتقادهم بأن الهيدروجين السائل أو المعدني هو الذي يولد الحقول المغناطيسية للكوكب.
تفحص الأجهزة
خلال الدورتين الأوليين في مدار حول المشتري سيقوم العلماء بمهمة تفحص أجهزة المركبة الفضائية، للتأكد من أنها تعمل بكفاءة وحسب الخطط الموضوعة، وبعد ذلك ستقوم المركبة بتشغيل محركها من جديد لتقترب أكثر من الغلاف الغازي لإجراء قياساتها العلمية.
وعلى عكس المركبات الفضائية الأخرى، فالمركبة جونو تعمل بالطاقة الشمسية وليس بالبلوتونيوم، فهي بثلاثة أجنحة مغطاة بآلاف الخلايا الشمسية القادرة على جمع أشعة الشمس حتى لو كانت شديدة الضعف، وبالتالي إنتاج طاقة كهربائية بقوة خمسمئة شمعة تقريباً.
إشعاعات مدمرة
يقول العلماء إنه إذا سارت الأمور بأفضل من المتوقع، فلن تطول مهمة هذه المركبة أكثر من الفترة المقررة بعشرين شهراً، فعلى الرغم من الغلاف الواقي المصنوع من معدن التيتانيوم فالإشعاعات القوية جداً سوف تخترقها وتدمرها مع مرور الوقت.
يقدر العلماء أن تتلقى المركبة إشعاعات تعادل قوة الأشعة المستخدمة في فحص الأسنان بأكثر من مئة مليون مرة.
ثلاثة تماثيل
الطريف أنه يوجد على متن المركبة ثلاثة تماثيل صغيرة من لعبة «اللوغو»، وهي للإله اليوناني القديم جوبيتر وزوجته جونو، التي هي في الحقيقة شقيقته حسب الأسطورة اليونانية، أما التمثال الثالث فهو للفلكي الإيطالي الشهير غاليليو غاليلي، الذي اكتشف أربعة من أقمار المشتري بواسطة تلكسوب صنعه بنفسه.
يقول الدكتور بولتن إن الهدف من وضع هذه التماثيل في المركبة هو أن تلهم الصغار، وتساعدهم على المشاركة في الاهتمام والإثارة اللذين يحيطان باكتشافات الفضاء.
وتجدر الإشارة إلى أن المركبة الفضائية «جونو» أخذت اسمها من اسم زوجة وشقيقة جوبيتر كبير آلهة اليونان القديمة.
(القبس)