قسم السلايدشو

أصحاب «النسب الأصيل» يحتكرون الوظائف النخبوية

  

جال بعض أصدقائي المقيمين في بروكلين خلال الشهر الجاري على أفضل المدارس الثانوية المختارة في نيويورك، كي يقيّموا إذا كان من المفترض على أبنائهم خوض امتحانات الدخول التي تتميز بتنافسية فائقة. هذه التجربة تركتهم يتصارعون مع القلق الشديد، وبعض الشعور الخفي بالذنب.

من جهة، كما فسّروا لاحقا، كانوا مبهورين بالبيئة الأكاديمية لتلك المدارس. فالمنافسة للدخول إلى هذه المؤسسات المجانية كانت شديدة جدا لدرجة أن تلك المدارس بدت كأنها دفيئات فكرية حقيقية –أقله لأن العديد من الأطفال يأتون من خلفيات مهاجرة فقيرة، ويتم تحفيزهم بشكل استثنائي لتحقيق النجاح.
ترجمة وإعداد إيمان عطية وحسن عز الدين – 
جيليان تيت –

حثت التجربة أصدقائي على التفكير أيضا في ما إذا كان التفوق الأكاديمي هو الشيء الوحيد الذي يحتاجه الأطفال لتحقيق النجاح. «انا أستفسر عن الأشياء الموجودة خارج المنهاج، والأشياء الاجتماعية» كما قالت إحدى الأمهات. ما أثار قلقها تحديدا بخصوص هذه المنافسات الشديدة بين المدارس الثانوية هو أنها بدت وكأنها توفّر نسبة أقل من التسليات المنوّعة التي قد يجدها طلاب الطبقة المتوسطة في مدارس النخبة الخاصة، مثل الرياضة، القيام برحلة إلى فرنسا، الدروس الموسيقية الإضافية، وما شابه. «لا أعلم إذا كان ذلك يهم، لكنه يُقلقني»، كما قالت بتذمر.

قد تبدو هذه المماحكة سخيفة: ففي نهاية المطاف يفترض أن تكون أمور مثل التميّز الأكاديمي والمهارات التنافسية القوية هي مفاتيح النجاح في أميركا العصرية. (وأظن أنه لو كافح أطفال أصدقائي للتغلب على العقبات المختلفة للوصول إلى واحدة من هذه المدارس، فإنهم لن يرفضوا ذلك). لكن من جهة أخرى، فإن تعليق تلك السيدة يكشف حقائق معيّنة؛ ويتضاعف ذلك إذا اطّلعتَ على الكتاب الجديد المثير للإهتمام «النسب الأصيل؛ كيف يحصل طلاب النخبة على وظائف النخبة»،الذي كتبته عالمة الاجتماع الأميركية لورين ريفيرا.

لقد أمضت ريفيرا الخمسة أعوام الماضية في دراسة الحراك الإجتماعي والحالة النخبوية في أميركا، مركّزة على المصرفيين والمحامين الطليعيين. لكنها لم تفعل ذلك من خلال دراسة الإحصائيات الاقتصادية وفق السياق المتّبع من قبل عالم الاقتصاد الفرنسي اليساري ثوماس بيكيتي. بدلا من ذلك، قامت بما يمكن لعلماء الإجتماع والأنثروبولوجيا أن يصفوه بـ «العمل الميداني»، أو البحث الرقابي الذي يتم تنفيذه على الأرض: أمضت ساعات وهي تراقب شركات النخبة خلال إجرائها مقابلات مع الطلاب الجامعيين، والتحدث مع مسؤولي القبول والطلاب، ومراقبة الأنماط الثقافية في كيفية اختيار المرشحين.

كتابها الذي يضم وصفا غنيا فاتنا ومرعبا في آن. فهو يُظهر – كما يُدرك غرائزيا أصدقائي من بروكلين –أن المؤهلات الأكاديمية وحدها لا تمثّل مفتاح الحصول على وظيفة نخبوية. ولا حتى التعليم الذي يتم وفق مستوى رابطة اللبلاب بحد ذاته (رابطة اللبلاب هي رابطة رياضية تجمع ثماني جامعات من أشهر وأقدم جامعات الولايات المتحدة الأميركية). بدلا من ذلك، ما تبحث عنه هذه الشركات خلال مشروع المقابلات هو ما يوصف غالبا بـ «اللمعان» أو «الأصالة» – كما يتّضح في الآلاف من الإشارات الاجتماعية الصغيرة والأنماط الثقافية.

الأطفال من العائلات النخبوية يميلون غالبا لاحتكار هذه الإشارات الاجتماعية الصغيرة، بأساليب لا يعترف بها أحد غالبا (بمن فيهم النخبة). في العهود السابقة، كان استنساخ النخب… يتم عادة بأن يعمل الأهل على تسليم مقاليد السلطة في الشركات أو ثروات العائلة إلى أبنائهم الكبار، كما تكتب ريفيرا. أما اليوم فإن انتقال المزايا الاقتصادية يميل لأن يكون غير مباشر. ويعمل ذلك على نطاق كبير من خلال النظام التعليمي.

إن كلمة «النسب الأصيل – Pedigree» تضم في طيّاتها مفارقة معيّنة. ففي الماضي كان المصطلح المذكور يشير إلى النسب الأصيل والجيّد؛ وكان يُنسب إلى الكلاب المولودة بعناية، كما كان يقال ان الجياد أو البشر يتمتعون به أيضا. لكن اليوم يستعمله المسؤولون عن قبول الموظفين في الشركات الأميركية بطريقة مختلفة: فيقال مثلا ان المرشحين الذين أجريت معهم المقابلات من أجل الحصول على وظيفة معيّنة يتمتعون بـ «النسب الأصيل» إذا كانت سيرتهم مليئة بإنجازات واسعة النطاق مثل العزف على آلة موسيقية، تبوؤهم لمناصب قيادية في فرق رياضية مختلفة، أو ممارسة النشاط الخيري، وغير ذلك.

من الناحية النظرية يفترض بهذا «النسب الأصيل» أن يعكس الجدارة الفردية والموهبة؛ لكن من الناحية العملية يكون من الصعب على الطلاب أن ينخرطوا في نشاط خارج إطار المنهاج، إلا إذا جاءوا من خلفية نخبوية ينطلقون منها. بالطبع، بعض الطلاب غير النخبويين يكونون قادرين على القيام بذلك. لكن الثانوية الخاصة الممتلئة بأطفال من ذوي الإمتيازات، تميل لتوفير دعم أكثر مما توفره المؤسسة العامة، حتى لو كانت مدرسة منافسة بشكل كبير.

طلاب الطبقة العاملة يميلون أكثر للإنضمام إلى الكلية مع فكرة أن هدف التعليم العالي يتمثل بالتعلّم في الصفوف، ويستثمرون وقتهم وطاقتهم وفقا لذلك، كما تلاحظ ريفيرا. لكن حقيقة أن هؤلاء الطلاب يركّزون على المنهاج الأكاديمي بدلا من النشاطات الموجودة في المنهاج الإضافي هو أمر يؤثر في أفقهم الوظيفي، كما تضيف، واصفة كيف أن الوقت، ومرة أخرى الأشخاص الذين يجرون المقابلات مع المرشحين من أجل الوظائف، يتخذون القرارات بناء على قضايا ذاتية مثل إذا كان المرشح يتمتع «باللمعان»، «الاتساع» و«النسب».

في بعض النواحي لا يكون ذلك مستغربا: فالنخب الغنية في أي مجتمع تحاول دائما إعادة انتاج موقفها على مر الأجيال، ولا تستخدم لذلك ما يسمى «الرأسمال الاقتصادي» (أي المال) فقط، بل في نفس الوقت الرأسمال الاجتماعي والثقافي (أي رموز الحالة النخبوية). لحسن الحظ لا يعتبر هذا النمط من الاستنساخ النخبوي مضمونا. فكل عام ينضم آلاف من الطلاب الأذكياء والأفقر إلى الكلّيات النخبوية، ويتم ذلك أحيانا كنتيجة لبرامج التمييز الإيجابي. البعض يكتسب المهارات الثقافية – أو «النسب الأصيل» – للتحرك باتجاه الوظائف النخبوية.

لكن كتاب ريفيرا يحتوي على قراءة منبّهة. فهو يفيد أنه مع مرور الوقت لم تعد العائلات النخبوية أكثر مهارة في مسألة التعلق برأسمالها الاقتصادي بل برأسمالها الاجتماعي أيضا، إو إن شئت، بضمان هيمنة أطفالها من حيث الرمز الاجتماعي والمكانة. هذا الأمر مقلق بالنسبة للسياسيين. وهو مثير للقلق أيضا بالنسبة للأساتذة والأهل. يمكنني المراهنة أنه لو اشترى الأهالي بالفعل كتاب ريفيرا هذا، لتعاملوا معه في نهاية المطاف كأسلوب في «كيفية» التوجيه بدلا من أي شيء آخر – حتى لو كانوا يتحسّرون رعبا على أساليب عدم المساواة، المُمعنة في مطاردتها للمجتمع الأميركي وتفشيها فيه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock