ملف الترقيات الأكاديمية في “التطبيقي”: مراجعة بناءة لتعزيز الاستقرار وتفعيل التطوير..بقلم: د. خالد الزومان

ملف الترقيات الأكاديمية في “التطبيقي”: مراجعة بناءة لتعزيز الاستقرار وتفعيل التطوير
بقلم: د. خالد الزومان
شهدت الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب خلال العام الأكاديمي الماضي خطوات جادة نحو تطوير لوائحها الأكاديمية، من أبرزها إصدار لائحة جديدة لترقيات أعضاء هيئة التدريس بتاريخ 25 يوليو 2024. ورغم ما حملته هذه اللائحة من أهداف طموحة، تهدف إلى تعزيز جودة الإنتاج العلمي، وتحقيق مواءمة أكبر مع المعايير العالمية للنشر الأكاديمي، إلا أن واقع التطبيق كشف عن تحديات جوهرية تستدعي وقفة مراجعة هادئة، ونظرة تقييمية توازن بين ضرورة التطوير وحق الاستقرار الأكاديمي.
أولاً: الفجوة بين التشريع والتطبيق
من حيث المبدأ ، يعد تحديث اللوائح الأكاديمية ضرورة مؤسسية تستجيب لمتغيرات البحث العلمي ومعايير الجودة العالمية. غير أن إصدار لائحة الترقيات الجديدة في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب، دون تدرج مرحلي أو إطار انتقالي عادل، أفرز عددا من التحديات الإجرائية والميدانية.
ومن أبرز ما أثار الإشكال، تعميم رقم (10) الصادر بتاريخ 27/5/2025، الذي نص في ظاهره على إنصاف من استوفوا كامل متطلبات الترقية – بما في ذلك شرط المدة الزمنية – قبل صدور اللائحة الجديدة، إذ أتيح لهم أن يعاملوا وفق أحكام اللائحة السابقة )2281/2005 القرار(
لكن البند الثاني من ذات التعميم قيد هذا الاستثناء بشروط دقيقة، فجاء فيه أن الطلبات تقبل فقط إن كانت مستوفية جميع المستندات والمتطلبات ومقدمة قبل تاريخ 2/2/2025 بداية الفصل الدراسي الثاني). أما الطلبات التي ينقصها أي عنصر – ولو كان شكليا -في عتبر الطلب “كأن لم يكن”، ويلزم عضو هيئة التدريس بالتقديم مجدداً وفق اللائحة الجديدة 1818/2024 الصادرة بقرار
ولم يقف الأمر عند الصياغة الضيقة، بل إن صدور التعميم جاء في وقت متأخر جداً ، بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على الفترة الزمنية التي حددها بنفسه، وهي فترة كانت فيها لجان الترقيات في حيرة من تفسير بنود اللائحة الجديدة، ما جعلها تتردد أو تتوقف في رفع الملفات. وكنتيجة لذلك، فإن معظم الملفات – إن لم يكن جميعها – لم تعتبر مقبولة قانونيا، واعتبرت كان لم تكن، مما حرم المتقدمين من التمتع بهذه الميزة، على الرغم من استحقاقهم الموضوعي.
ثانياً : المساس بمبدأ الاستقرار الأكاديمي
تبنى أنظمة الترقية في مؤسسات التعليم العالي على الإنتاج العلمي كركيزة أساسية، إذ يفترض أن يقوم عضو هيئة التدريس بتخطيط نشاطه البحثي، ونشره في ضوء ضوابط وشروط اللائحة المعمول بها أثناء فترة الإنجاز
وفي الحالة محل النقاش، فإن العديد من الزملاء قد بذلوا جهدا واضحا في إعداد بحوثهم ومخاطبة المجلات العلمية المعتمدة وفق اللائحة السابقة، مستندين إلى قاعدة قانونية كانت سارية المفعول وقت التنفيذ.
إن نسف هذا الجهد الإداري والعلمي بأثر رجعي بسبب صدور لائحة جديدة، دون منحهم مهلة زمنية عادلة، لا ينسجم مع مبادئ العدالة الإدارية أو استقرار المراكز القانونية.
ونحن إذ نقدر ضرورة التطوير والتجديد، نؤمن كذلك بأن إدارة التغيير الناجح تستلزم مراعاة الحالات الانتقالية التي تقع بين اللائحتين فهناك من كان في طور الإعداد أو استكمل جوانب أساسية من ملفه دون أن تنضج المدة الزمنية بعد، وهؤلاء وجدوا أنفسهم في منطقة إدارية رمادية دون حماية واضحة.
ويزداد المشهد تعقيداً حين نمعن النظر في التسلسل الزمني للإجراءات فقد أقرت اللائحة الجديدة بتاريخ 24/7/2024، ثم تلتها تعديلات جزئية أعفت فقط تخصصي اللغة العربية والتربية الإسلامية من شرط النشر بلغة أجنبية، دون النظر إلى العدالة الشاملة لبقية التخصصات أو لمن حصلوا على درجاتهم العلمية باللغة العربية.
وفي ذات السياق، صدر قرار إنشاء لجنة مركزية لاعتماد المجلات العلمية، على أن تنهي أعمالها في 31/12/2024 ، ما يعني عملي تعليق النشر العلمي للأعضاء الراغبين في الترقية طوال هذه المدة. ثم جاء بعد ذلك تعميم رقم (10) ، متأخراً وغير شامل في مضمونه، ما جعله عاجزا عن إنصاف من استوفوا متطلبات الترقية وفق اللائحة السابقة، وكأنه إعلان إداري لا يترتب عليه أثر فعلي يحفظ الحقوق المكتسبة.
ولو أن الإدارة أعلنت عن نيتها بتعديل اللائحة قبل صدورها بسنة على الأقل، كما هو معمول به في بعض الجامعات الإقليمية، لكان ذلك أكثر إنصافا ومرونة، ولكان عضو هيئة التدريس على بينة من أمره، يوجه إنتاجه العلمي وفق اللوائح المقبلة، مما يحقق الاستقرار ويجنب المؤسسة طعونا مستقبلية أو شعوراً بالإقصاء.
ثالثاً : تعقيد الإجراءات بدلا من التحفيز
صدرت أيضا ضوابط جديدة لنشر الإنتاج العلمي فرضت سلسلة طويلة من الخطوات والموافقات المتتالية لاعتماد المجلات، تبدأ بموافقة رئيس القسم، ثم لجنة الترقيات في القسم ثم لجنة الترقيات في الكلية، تليها لجنة الترقيات على مستوى الهيئة، وأخيرا اللجنة المركزية لاعتماد الإنتاج العلمي.
وقد أدى هذا التسلسل إلى إشغال اللجان الأكاديمية بأعمال إدارية مرهقة، وتعطيل الباحثين عن التفرغ للمهام العلمية، ما حول النشر الأكاديمي إلى مسار بيروقراطي معقد لا ينعكس بالضرورة على جودة المخرجات البحثية.
مقترحات عملية لتحسين الأداء
بروح التعاون والحرص على مصلحة الهيئة، يمكن اقتراح الآتي:
.1 مراجعة شاملة لتفسير بنود اللائحة، ووضع دليل رسمي موحد يزيل الاجتهادات المتباينة.
2 الإبقاء على حقوق من أنجز متطلباته العلمية قبل اللائحة الجديدة وإدماجهم ضمن حالات استثنائية محمية قانونياً .
3 منح القسم العلمي مسؤولية أولية في التأكد من انطباق شروط المجلات، مع اعتمادها لاحقا من اللجنة المركزية.
4. إعداد قوائم مجلات معتمدة بشكل سنوي، تراجع من الأقسام وتقر من اللجنة المركزية.
5 ترك حرية الاختيار في النشر ضمن المجلات المعتمدة لعضو هيئة التدريس، وفق مسؤولية علمية وأخلاقية، كما هو معمول به في الجامعات المرجعية.
ختاماً
إن طموحنا لا يتعارض مع مسار التطوير، بل ينطلق من الرغبة في إنجاحه على أسس عادلة ومنصفة. فالتطوير الحقيقي لا يتحقق إلا في ظل بيئة أكاديمية مستقرة، عادلة، ومحفزة على البحث والإبداع.