لماذا يميل البعض لاتباع “الترندات” رغم خطورتها وسخافتها أحياناً؟
استنشاق القرفة.. أو تحدي الاختناق.. أو سلق دجاجة باستخدام دواء السعال.. أو حتى تناول المكملات الغذائية دون خلطها بالماء، كلها تحديات راجت على مختلف شبكات التواصل الاجتماعي مؤخرا، وتبيّنت خطورتها بعد فقدان بعض المشاركين فيها حياتهم.
ورغم بعض النهايات الدرامية، ما زالت هذه التحديات ومثيلاتها رائجة بين مستخدمي الشبكات الاجتماعية، وخاصة المراهقين وصغار السن.
فلماذا نميل لاتباع اتجاهات السائدة أو “الترندات” حتى عندما نتعرض للخطر؟
حاجة الإنسان إلى التواصل
سواء تعلق الأمر بارتداء قطعة ملابس يرتديها كل زملائك، أو باستنشاق مسحوق القرفة، أو بشراء كوب يحمل شعارا شهيرا، يمكن تفسير هذه الحاجة الملحة لتبني سلوكيات الآخرين واتباع الاتجاهات الشائعة، برغبة البشر الأصيلة في التواصل والتأقلم مع من حولهم.
طبقا لهرم الاحتياجات الإنسانية الذي وضعه عالم النفس الأميركي الشهير إبراهام ماسلو، فإن حاجة البشر للتواصل تأتي في المرتبة التالية مباشرة لاحتياجاتهم الفسيولوجية، واحتياجات الأمان، مما يجعلها احتياجا أساسيا لا غنى عنه.
ومنذ فجر التاريخ، احتاج الإنسان للتواصل مع الآخرين، سواء تجمعوا لمقاومة وحش ضار، أو لزراعة أرض، أو حتى بناء هرم، وهو احتياج ظل متأصلا في النفس البشرية رغم انقراض الوحوش الضارية وانتهاء عهد بناء الأهرام.
هذه الحاجة للموافقة الاجتماعية والتأقلم مع الآخرين والتواصل معهم تفسر المسارعة لتبني الاتجاهات الرائجة، رغم سخافتها في بعض الأحيان.
وبحسب أستاذة علم النفس الاجتماعي آشلي ويلر، فإن البشر مخلوقات اجتماعية ترغب في التواصل، ولأن التواصل العميق مع الآخرين قد يكون صعبا، فاتباع الاتجاهات الرائجة أو “الترندات” يمنحك نوعا من التواصل السطحي الخالي من الصعوبة.
ورغم ذلك، فهو لا يمنحك الرضا نفسه، كما قد يؤدي لتأثيرات سلبية على الهوية والخيارات الشخصية، كأن ترتدي ملابس لا ترتاح فيها خوفا من الشعور بالنبذ.
الإدراك الاجتماعي وتأكيد الهوية
ولا يتعلق الأمر بحاجتنا إلى التواصل فقط، وإنما برغبتنا أيضا في الانتماء إلى هوية أو تصنيف بعينه، فوفقا لعالم النفس الاجتماعي البولندي هنري تاجفيل يصنف البشر أنفسهم والآخرين إلى مجموعات، باتباع مجموعة من العمليات الذهنية، تعالج المعلومات المتعلقة بالآخرين ومواقفهم الاجتماعية واستجابتنا لها، عبر أنظمة معرفية معقدة تستخدمها الدماغ لتحديد الأنماط والسلوكيات التي تستخدم للإشارة إلى انتمائنا أو رغبتنا في الانتماء لجماعة اجتماعية معينة فيما يعرف بإشارات الهوية.
وهكذا، فإن وضع ملصق معين على سياراتك، أو ارتداء قميص يحمل شعارا هو في جوهره محاولة لنقل معلومات معينة عن هويتك.
تقول المتخصصة في علم النفس الإعلامي باميلا روتليدغ إن وسائل التواصل الاجتماعي سمحت للاتجاهات الشائعة بالانتشار بإيقاع أسرع. فعلى سبيل المثال، في حين كانت الموضة قديما تستغرق سنوات للانتقال من علامات الأزياء الراقية إلى الاستخدام الشائع، فهي اليوم لا تستغرق سوى أسابيع قليلة بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما أدى لتوسع ونمو صناعات الموضة السريعة.
البحث عن الراحة
من ناحية أخرى، يشبه اتباع الاتجاهات شكلا من أشكال الاختصار العقلي، فبدلا من التفكير فيما يرتدونه أو يفعلونه يميل الناس لاتباع الآخرين.
ظهر ذلك في دراسة أجراها عالم النفس المعرفي الاجتماعي ألبرت باندورا” في عام 1968، على مجموعة من الأطفال الذين يخافون من الكلاب، وعندما شاهدوا طفلا آخر يلعب بسعادة مع كلب، أصبح حوالي 67% من الأطفال الذين أجريت عليهم التجربة يميلون لتجربة اللعب مع الكلاب. وهو ما يوضح كيف يميل الناس لملاحظة سلوك الآخرين من أجل اتخاذ القرارات، حيث يصبح الأسهل تبني السلوك أو التفضيلات الشائعة والمعترف بها بالفعل.
“الترند”.. خطر محدق بالمراهقين؟
وعلى الرغم من التكيف الذي يشعر به الفرد نتيجة اتباع الاتجاهات الرائجة، فإن هذا التكيف يأتي مع جوانب سلبية من أبرزها فقدان الأصالة الشخصية، فقد يضطر الشخص لإخفاء ميوله وتفضيلاته الحقيقية لمجرد التكيف مع من حوله، وهو ما قد يؤدي للشعور الداخلي بالكبت وفقدان الهوية الشخصية.
من ناحية أخرى، فإن المتعة المؤقتة التي يجلبها اتباع الاتجاهات الرائجة سرعان ما تخفت، وقد تخلف رغبة لا تشبع في اتجاه أحدث الاتجاهات، بغض النظر عن مناسبتها، مما يسبب شعورا بالإحباط.
أما الجانب السلبي الأخطر، فهو تأثير الاتجاهات الرائجة على المراهقين، فعلى الرغم من ميلنا جميعا -بدرجة أو بأخرى- للتأثر بالترندات والاتجاهات الشائعة، فإن المراهقين هم الفئة الأكثر عرضة لذلك، نظرا لكونهم في مرحلة عمرية يبحثون فيها عن طرق مختلفة للتعبير عن هويتهم.
والمفارقة أنهم في محاولاتهم لإثبات تميزهم عمن حولهم من البالغين، قد يقعون في فخ تقليد اتجاهات بعينها لإثبات انتمائهم لجماعات أخرى.
كما أن الدماغ في هذه المرحلة يخضع لتطور سريع في المناطق الأساسية ذاتها الخاصة بالإدراك الاجتماعي، وهو ما يزيد وعيهم بإشارات الهوية. وفي الوقت ذاته فإن القشرة الجبهية وهي المنطقة المرتبطة بالمنطق واتخاذ القرارات لا تنضج بشكل مكتمل قبل عمر الـ24، وهو ما يجعل أي طفل أو مراهق عرضة للانخراط في سلوكيات محفوفة بالمخاطر.
ينصح خبراء التربية الآباء والأمهات بالتواصل المستمر مع الأبناء في عمر المراهقة، وتوعيتهم بأن المخاطر المحتملة لمثل هذه السلوكيات، ربما يساعد هذا الوعي على أن يتوقفوا للحظات قليلة قبل الاندفاع لقبول تحد سخيف قد يكلفهم حياتهم.