برلمان الكويت المصغر
اشتُهِرَ المجتمع الكويتي بالديمقراطية وحرية التعبير، وتأصلت هذه القيم في نفوس الكويتيين، الذين وجدوا في الديوانية مكانًا لممارسة التعبير عن الرأي والتحاور والنقاش،فقد توارثت الديوانية عبر الأجيال، لتصبح المتنفس الاجتماعي والسياسي والثقافي غير الرسمي، الذي يُسمح للأفراد بالتعبير بها عن آرائهم والاطلاع على أهم أحداث المجتمع، فهي مكان مفعم بالتفاعل الاجتماعي. كما يصلالناس أرحامهم وأصدقائهم من خلالها؛ حيث يجتمع الأفراد لقضاء أوقاتٍ رائعة للترفيه. وهذه الديوانية أشبه ما تكونبمجلس النواب المصغر، ولكنه غير رسمي، وتمتاز الديوانية بتوفير مساحة متساوية للجميع، للإدلاء برأيه بكل أريحية؛ لذا اشتهرت الكويت بكثرة دواوينها، حيث تُعَدُّ أحد الأماكن النشطة في كل حي كويتي منذ القدم، بالإضافة إلى ذلك، فإن الديوانية تُعَتَبَرُ جزءًا من مسكن العائلة، حيث يجتمع أفرادها، لتعزيز الروابط العائلية.
سنتطرق في هذا المقال إلى معنى الديوانية وأهميتها، بالإضافة إلى استكشاف محتواها، وما تقدمه من مناقشات، وأنشطة تعكس ثقافة المجتمع الكويتي.
اختلف في أصل معنى الديوانية، فمنهم من يقول بأنهامستمدة من الكلمة الفارسية “ديفان”، التي تعني مكان اجتماع الكتاب لأغراض الحساب وتنظيم السجلات، وقد استعان المسلمون بذلك النظام في عهد عمر بن الخطاب عندما أنشأ الدواوين في عصره؛ حيث ارتبط الديوان بالأنظمة الإدارية والحكومية في الفترات التاريخية السابقة،ومنهم من قال كالمنجد بأنها: تعبّر عن مجتمع الصحف أو الكتّاب الذي يتجمع فيه قصائد الشعراء، ومع مرور الوقت، تجاوزت الديوان الحدود الإدارية والحكومية لتشمل عوالم الأدب والثقافة.
وفي الاستخدام العام، ارتبطت الديوانية في الكويت بمعنى مكان ومجلس للرجال، حيث يتم استقبال الضيوف والالتقاء بالأصدقاء والاجتماع بهم، وتُعتبر الديوانية نادٍ تناقش فيه جميع أمور الحياة، وترمز إلى صاحبها بمكانة اجتماعية مهمة داخل المجتمع، وبحسب المؤرخ عبد العزيز الرشيد، فإن الديوانية هي مكان موجود فيما يسمى بحرم المنزل، ويوجد أمامها الإيوان (الجلسة الخارجية)، وقد شبّهها عبد الله الأنصاري بمجالس النواب من دون صيغة قانونية، وحصانة مجلس النواب، غير أنها تتصف بصدق الحوار،بينما يرى عبد العزيز حسين أنها مؤسسة اجتماعية تشكل امتدادًا لعادة المجالس البدوية عند سيد العشيرة.
تُلقب الديوانيات بمجلس النواب المصغر لأهميتها، خاصة في السياق السياسي والاجتماعي؛ حيث تُمثل بيئة حيوية تشجع على التجمع، والتواصل والتفاعل بين الأفراد من جميع الفئات، كما تسهم في تعزيز العلاقات بين الأصدقاء وتيسر التعارف بين الأفراد، وكذلك تعمل على تعزيز التماسك الاجتماعي، وتثقيف المجتمع الكويتي من خلال الندوات والمحاضرات التي تقدمها، التي قد لا تُعرض في وسائل الإعلام، بالإضافة إلى ذلك فهي وسيلة لصلة الرحم، والتقاء الأقارب.
لقد أصبحت الديوانية مقراً رئيسياً لمناقشة قضايا الحياة،وتبادل المعرفة، والترويح عن النفس في أوقات الفراغ من خلال مجموعة متنوعة من الأنشطة، ويكمن سر الديوانيات في روادها، فأصبحت تجمعًا لأصحاب الاهتمامات المتشابهة، سواء كانت دينية، أو فكرية، أو فنية، أو سياسية،وخاصة الأخيرة برزت بشكل كبير لقوتها التأثيرية في الحياة النيابية في الكويت وصنع القرار السياسي؛ إذ يتوجه المرشحون إلى الديوانيات، لاستخدامها كمركز لإقناع مرتاديها، كما تُعد منبرًا لاتخاذ القرارات ونشرها، وتوجيه الرأي العام، وتعزيز الوعي السياسي بالأحداث الحاصلة،ويتم ذلك تحت شعار الديمقراطية، والنقاش دون خطوط حمراء، فهي المتنفس السياسي والثقافي والاجتماعي للمواطنين.
ولم تقتصر الديوانيات على ذلك، بل امتدت إلى مناقشة قرارات حكومية، مثل دواوين الإثنين، التي ساهمت في إنشاء المجلس الوطني عام 1990م، كما تقدم الديوانيات دعمًا مهماً لكبار السن، حيث لا ينعزلون عن المجتمع، بل يلتقون بأقاربهم وأصدقائهم ويتبادلون الأحاديث، مما يؤثر إيجابًا على صحتهم النفسية والجسمانية.
ولم يقتصر دور الديوانية على تلك الأدوار، بل كانت مقراً للمقاومة الكويتية خلال الاحتلال العراقي، وكذلك اللجان التكافلية، حيث قام الكويتيون بتخزين الأدوية، وأدوات الجراحة والأجهزة بها، كما أن لها دور إعلامي منذ بداية الغزو العراقي؛ حيث التقاط الأخبار من الإذاعة والتلفزيون،وبثها لأفراد المجتمع الكويتي، بعد أن كتمت القوات العراقية على كافة الأخبار، كما كان لها دور في إدارة شؤون البلد بعد التحرير، لا سيما التجمعات السياسية في ظل الغياب البرلماني.
وتتكون الديوانية الكويتية من مجلس رئيسي يُطلق عليه “الديوان”، وعادةً ما تكون غرفة منعزلة عن باقي المنزل، وقد يكون لها حوش خاص بها، وعادة ما تتمتع الديوانية بروح التراث العربي، حيث يتم استخدام العناصر التقليدية،والزخارف العربية في تصميمها، مما يجعلها محافظة على الهوية الثقافية للكويت، وتميز الديوان بالجلسات العربية المنخفضة، التي تتكون من المطارح والمساند المبطنة بالقماش الفاخر، كما تتواجد رفوف خشبية تسمى “الكمار” تستند إلى الجدار الملاصق لمكان إيقاد النار “الوجار”؛ حيث توضع فوقه مجموعة من الدلال والأباريق المختلفة في أسمائها وأحجامها، مثل “المصب” الذي تسكب منه القهوة للشاربين، و”اللقمة” التي تطبخ فيها، وكذلك”الخمرة” التي تجمع بقايا القهوة، و”المحماس” الذي يستخدم لتحميص القهوة على النار، وبعد ذلك تُدق في “الهاون”، وهو قالب من الحديد مجوف، وتستخدم “الفناجيل” كأدوات لشرب القهوة العربية.
وتعتبر القهوة العربية عادة أساسية لدى العرب في تقديمها للضيف مهما قدم له من لذيذ المشارب والمآكل، وتتجلىأهمية القهوة في المجالس، كعنصر من عناصر الضيافة العربية، وعادة الكرم في المجتمع العربي، وتُقدم القهوة في اليد اليمنى للضيف، ثلاث مرات، فإن انتهى الضيف من شربها قام بهز الفنجان، كدليل على كفايته من شرب القهوة، وعادةً ما يتم تقديم التمر إلى جانبها.
وفي الختام، يمكن القول بأن الديوانيات تمثل عنصرًا حيويًا وفعّالًا في المجتمع الكويتي، وجب المحافظة عليها، وعدم إهمالها، بل يجب أن ننميها من خلال إقامة حوارات هادفة ومفيدة، حتى نستمع إلى أصواتنا، ونتعلم من بعضنا البعض، فمن خلال هذا الجهد المشترك، سنتمكن من تعزيز الفهم المتبادل، وتعميق الروابط الاجتماعية، وتعزيز الجانب النفسي والترويحي.
إعداد الطالبات: غاليه الهاجري، هيا الحجرف، نور الحشاش، سارةالعنزي، شيماء محمد
إشراف د. مبارك عشوي العنزي، كلية الكويت للعلوم والتكنولوجيا