تأثير بقعة الضوء..لماذا يعتقد المصاب بتأثيرها أن الجميع يراقب أفعاله؟
من الطبيعي أن يشعر كل شخص منا أنه البطل الأساسي لقصته، حيث يرى معظمنا أن جميع الأشخاص ممن حولنا هم “ممثلون ثانويون” يؤثرون بشكل أو بآخر على مجريات حياتنا، لكننا وحدنا من نقود الخط الأساسي للقصة.
ومع ذلك، هناك مرحلة معينة قد يبالغ فيها الإنسان في اعتبار نفسه البطل الرئيسي لكل ما هو مهم، حينها يبدأ في الشعور بأن كل شيء يتمحور حوله بشكل حصري، وهو ما يُعرف في علم النفس بـ”تأثير بقعة الضوء”.
ما “تأثير بقعة الضوء”؟
تأثير بقعة الضوء هو ظاهرة نفسية يميل فيها الأفراد إلى الاعتقاد بأنه تتم ملاحظتهم أو مراقبتهم من قبل الآخرين أكثر مما يحدث بشكل حقيقي في الواقع. بعبارة أخرى، يبالغ المصابون بهذا التأثير في تقدير درجة اهتمام الآخرين بهم أو بمظهرهم أو بسلوكهم أو بأفعالهم.
يمكن أن يؤدي هذا التحيز المعرفي لدى الناس إلى أن يُفْرطوا في التركيز على أنفسهم، أو يصبحوا قلقين بشكل بالغ من الطريقة التي ينظر إليهم بها الآخرون.
على سبيل المثال، قد يشعر شخص ما بوعي ذاتي مبالغ فيه بشأن ما يعتبره “عيبا” في مظهره، معتقدا أن كل من حوله يلاحظه ويشكل أحكاما سلبية عنه، في حين أن معظم الناس في الواقع قد لا ينتبهون للأمر كثيرا.
لذلك يمكن أن يكون لتأثير بقعة الضوء تأثير على جوانب مختلفة من التفاعلات الاجتماعية والحياة اليومية والصحة النفسية للشخص الذي يعاني منها.
وقد يدفع هذا الأمر الفرد إلى تجنب مواقف أو أنشطة معينة خوفا من التعرض للتعليقات أو الملاحظات ممن حوله، على الرغم من أن الآخرين قد لا ينتبهون كثيرا لما يشغل باله.
كذلك يمكن أن يسبب التأثُّر الشديد بهذه الحالة في قدرة الشخص على اتخاذ القرار وقدرته على احترام ذاته، وقد تؤثر بشكل جذري على سلامته النفسية والعقلية.
فرط الوعي بالذات واضطراب القلق الاجتماعي
بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من القلق الاجتماعي، يمكن أن يكون تأثير بقعة الضوء لديهم أسوأ بكثير، لدرجة أنه يؤثر على قدرتهم على العمل أو الشعور بالراحة مع الآخرين وبناء العلاقات.
ويُعتقد أن هذا التأثير يأتي من الإفراط في الوعي الذاتي وعدم القدرة على وضع النفس مكان الشخص الآخر لإدراك أن منظورهما يختلف، إذ يركز جميع الأشخاص، وخاصة أولئك الذين يعانون من القلق الاجتماعي، بشكل كبير على أنفسهم وأفعالهم ومظهرهم، ويعتقدون أن الجميع يدركون تماما ما يفكرون فيه.
ويحدث ذلك لأن القلق الاجتماعي هو أكثر بكثير من مجرد عصبية، فهو متعلق بنشاط الدماغ. ومع القلق الاجتماعي، قد يعلم المصاب أن مشاعره غير منطقية، لكن لا يمكنه تغيير شعوره.
لذلك يمكن أن يكون تأثير بقعة الضوء منهكاً إذا كان الشخص يعاني حالة أساسية سابقة من القلق الاجتماعي، مما يجعل كل موقف أكثر رهبة وإثارة للخوف.
تأثير الحالة على الشخص المصاب
تؤثر هذه الظاهرة على المصاب من نواحٍ عدة، أبرزها ما يلي:
يُنظر إليه على أنه منصب على ذاته: إذا كنت غالبًا ما تسأل الأصدقاء والعائلة وزملاء العمل عما إذا كانوا منزعجين منك، أو إذا قلت شيئًا خاطئًا، أو إذا تصرفت بشكل مناسب في موقف ما، فقد يشعرون أنك تفكر في نفسك فقط.
عدم الانتباه للآخرين بما يكفي: عندما يكون الشخص مشغولاً بالتفكير في مظهره وسلوكه بهذا القدر، فهو يفقد قدرة التركيز على أشياء مهمة أخرى، مثل أحبته والأفراد من حوله، الأمر الذي يضعف قيمة العلاقات لديه.
نظرة أكثر انغلاقا للعالم: التفكير المفرط في الذات يجعلك أكثر عرضة للإغفال عن فهم واستيعاب شخصيات من حولك، لذا قد يجد المصاب بتأثير بقعة الضوء صعوبة في التعاطف مع الآخرين لأنه يفترض أن أفكارهم تركز عليه، فيغفل فهم واستيعاب تجاربهم المتنوعة.
تصنع شخصية غير حقيقية: معاودة التفكير في كل كلمة أو فعل قبل القيام به بما يتناسب مع رغبة الشخص في رؤية الآخرين له ستؤدي لا محالة إلى الادعاء وتصنّع شخصيات ليست هي حقيقته الواقعية.
العلاج الملائم لتأثير بقعة الضوء
يمكن معالجة أعراض القلق الاجتماعي وتأثير بقعة الضوء بمزيج من العلاج النفسي والسلوكي لتصحيح التفكير.
وقد يتم وصف بعض الأدوية للحالات التي تؤثر على حياة الشخص، مثل مضادات الاكتئاب، لمساعدة المصاب على درء مشاعر الرهبة والعجز والشك.
يمكن أيضا ممارسة التمارين التي يرشحها المعالج النفسي في العلاج السلوكي للمساعدة على إدارة الأنشطة اليومية، مما يمنح المصاب مزيدا من الثقة ويقلل من شعور بالقلق والإحراج.
كما تتمثل إحدى طرق التغلب على تأثير بقعة الضوء في التركيز على الخارج وملاحظة ردود الآخرين تجاه الشخص المعني. سيساعد هذا الأمر المصاب بفرط الانتباه لأفعاله على التوقف عن التركيز الداخلي على قلقه، بالإضافة إلى ملاحظة مدى ضآلة اهتمام الآخرين به مقارنة بما يتخيله عنهم.
وفي حين قد يبدو الأمر كما لو أن الجميع يعرف ما يفكر فيه الشخص المصاب، إلا أنه في الواقع لا أحد لديه هذه القدرة على قراءة الأفكار وتحليل الأفعال.