قطار الحروف.. حافلات تجوب شمال سوريا لتعليم أطفال دمر الزلزال مدارسهم
وتطوف الحافلات المحبَّبة للأطفال على المناطق النائية عن مدينة جنديرس، ريف حلب، التي صُنّفت كإحدى المدن الأكثر تضررا بالزلزال المدمّر في المنطقة، وشهدت سقوط مئات القتلى تحت أنقاض المنازل المنهارة.
وفي مخيم يضم عدداً كبيراً من الأُسر المنكوبة من جنديرس، تجمّع عشرات الأطفال وهم يراقبون من بعيد قدوم الحافلات إلى مخيمهم، وتعالت أصواتهم فرحا باختيار مخيمهم للحصول على الحصص التعليمية والترفيه داخل الحافلات، التي تحوّلت إلى صفوف مدرسية متنقلة.
ومع توقف الحافلات، ينتظم الأطفال للصعود إلى “المدرسة المتنقلة” التي غطتها الرسوم الملونة والحروف، في حدث لم يكن مألوفا لديهم سابقا، بعدما عايشوا جزءا من الحرب السورية، وعمقت كارثة الزلزال آلامهم.
خليل (9 سنوات)، أحد الأطفال الذين فقدوا منازلهم في شمال غربي سوريا جراء الزلزال، تحدّث عن سعادته بقدوم “قطار الحروف” إلى المخيم الذي يقطنه في ريف حلب، مؤكدا أنه منقطع عن التعليم منذ أشهر.
يقول خليل للجزيرة نت إنه حصل على دفاتر وأقلام ملونة جميلة، ويكتب الحروف الإنجليزية في خيمته كواجب مدرسي جديد حصل عليه عقب الدروس في الحافلة الملونة.
دروس ودعم نفسي
في الحافلة، يشعر الأطفال كأنهم في صف مدرسي وأكثر من ذلك، إذ توفر المقاعد والألواح ووسائل الإيضاح، بالإضافة إلى الدفاتر والأقلام والتلوين والحقائب، والأهم المدرّس الذي يلقي على مسامعهم أغنية باللغة الإنجليزية، قبل أن يطلب منهم ترديد عباراتها بصوت مرتفع.
يقول نافع الشامي، مدير برنامج التعليم وحماية الطفل في منظمة “أورنج” الإنسانية غير الحكومية التي تقف خلف المبادرة، إن فكرة الحافلات التعليمية المتنقلة وُلدت من رحم كارثة الزلزال بهدف إيجاد حل يضمن استمرار النشاطات التعليمية للأطفال، في ظل عدم وجود مبان مدرسية مؤهلة، ونزوح الأهالي إلى المخيمات ومراكز الإيواء بعيدا من مراكز المدن والقرى.
وأوضح الشامي، في حديث للجزيرة نت، أن المنظمة جهّزت 9 حافلات متنقلة تزور يوميا 27 موقعا في شمال غربي سوريا، بمعدل 3 مواقع لكل حافلة، مشيرا إلى أن الدروس تشمل القراءة والحساب والعلوم واللغة الإنجليزية، ضمن بيئة تعليمية آمنة للطفل.
وتتضمن الحصص الدراسية داخل الحافلة، وفق الشامي، نشاطات دعم نفسي للأطفال من 19 خبيرا اجتماعيا، بناء على تقييم سابق للمنظمة أظهر وجود أعراض لدى الأطفال تتعلق بالعزلة الاجتماعية والخوف والقلق من الزلزال، بالإضافة إلى البكاء والتبول اللاإرادي والكوابيس أثناء النوم.
وأشار الشامي إلى أن المبادرة المستمرة تنال استحسانا كبيرا ورضى من الأهالي، لما تحققه من آثار إيجابية على المستويين التعليمي والنفسي لأطفالهم، في حين لاحظ المسؤولون التعليميون تفاعلا إيجابيا من الأطفال ورغبة منهم في المشاركة بحماسة كبيرة.
تعطل التعليم
كارثة زلزال فبراير/شباط الماضي شرَّدت نحو 40 ألف عائلة شمال غربي سوريا، وفق تقرير أصدرته منظمة “الدفاع المدني السوري” (الخوذ البيضاء)، في حين بلغ عدد الأبنية المدمّرة بالكامل نحو 550 بناء، والمتضرّرة بشكل جزئي أكثر من 1570 بناء، إلى جانب مئات الأبنية المتصدعة.
وعقب الكارثة، انقطع مئات آلاف الأطفال السوريين عن مدارسهم، فتضاعف عددهم السابق الناجم عن الحرب التي دخلت عامها الـ13. وقدّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، أن تعليم 1.9 مليون طفل سوري قد تعطّل؛ “إذ لا تزال مدارس عدة تستخدم لإيواء الناس الذين شرّدتهم الزلازل”.
ويشير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا) إلى حاجة مليون طفل سوري في سن المدرسة إلى دعم تعليمي، وهم معرضون لخطر التسرّب من المدرسة بسبب الزلزال بعد تضرر نحو 452 مدرسة ابتدائية وثانوية بدرجات متفاوتة.