«اضطراب الفهم القرائي».. عندما يقرأ الطفل بطلاقة ولا يفهم ما يعنيه المكتوب!
يتعلم الأطفال اللغة فطريًّا، فيولد الطفل ولديه قدرة على إصدار الأصوات المختلفة التي يستطيع أن يطورها خلال السنوات الثلاث الأولى من عمره من أصوات إلى مقاطع صوتية، ثم إلى كلمات، وأخيرًا إلى جمل ذات تراكيب لغوية بسيطة، فيكتسب اللغة. وتُعرف الأصوات التي تستخدمها اللغة بـ«الفونيمات»، وتعرف القدرة على التعرف على هذه الأصوات وإنتاجها بـ«الوعي الصوتي» وهو مفتاح تعلم القراءة، فهل يتعلم الأطفال القراءة بصورة فطرية أيضًا؟
القراءة مهارة تحتاج إلى تعلّم
القراءة عملية معقدة تحتاج إلى تعلم وتدريب، خاصة وأن اللغة المكتوبة مكونة من مجموعة من الرموز، يحتاج الطفل أن يتعلم فك شفراتها حتى يستطيع القراءة، فتبدأ عملية تعلم القراءة بالوعي الصوتي بالحروف والقدرة على التمييز بين صوت الحرف وشكله لتنتهي المرحلة الأولى من تعلم القراءة.
بعد ذلك تبدأ المرحلة الثانية وهي فهم النص المكتوب، والتي تعد جوهر عملية تعلم القراءة وتُعرف باسم «الفهم القرائي»، والتي تعني وفقًا لورقة بحثية كتبها عطوى سليمة الباحث بجامعة مولود معمري في الجزائر؛ «عملية استخلاص المعاني من النص المقروء، ودمجها بالمعلومات الموجودة في الخلفية المعرفية للطفل والمخزنة في ذاكرته، والتي يتم استدعاؤها عند القراءة لفهم ما وراء النص».
ووفقًا لموقع الجمعية الأمريكية للسمع والنطق واللغة يُعاني أكثر من 10% من الأطفال في سن المدرسة من عدم القدرة على فهم النصوص المقروءة التي أعلى من مستوى الصف الثاني، ويُشخص هؤلاء الأطفال عادة في سن تسع سنوات بأنهم مصابون «باضطراب الفهم القرائي».
ما هو اضطراب الفهم القرائي؟
القراءة الحقيقية لا تقف عند قدرة الطفل على معرفة الحروف وقراءتها لكنها مرتبطة بمهارات التفكير العليا والذاكرة ومهارات التعلم المختلفة وإثراء معرفة الطفل وآفاقه، بالإضافة إلى قدرة الطفل على ربط المعلومات الجديدة التي يقرأها ومخزونه المعرفي.
يُعاني الطفل الذي يعجز عن أداء هذه المهام من «اضطراب الفهم القرائي» والذي يُعرف وفقًا لموقع «فري ويل فاميلي» الطبي بأنه إعاقة في القراءة تجعل الطفل غير قادر على فهم معاني ودلالات الكلمات ولا المغزى من وراء النصوص، على الرغم من قدرته على القراءة بطلاقة، ويتم تشخيص اضطراب الفهم القرائي من قبل المتخصصين على أنه «عجز محدد في فهم القراءة (S-RCD)».
ضعف العمليات المعرفية ومهارات الفهم العليا هي السبب
في وقت مبكر من التطور والنمو، تُعد القدرة على التعرف على الحروف وربط كل حرف بصوته هي أساس عملية القراءة، لكن بمجرد إتقان هذه المرحلة يصبح فهم النص هو المؤشر الحقيقي على إتقان القراءة، ووفقًا لدراسة أجراها قسم علم النفس بجامعة بادوفا في إيطاليا، ترتبط هذه العملية بمجموعة من المهارات المعرفية المختلفة، والتي يؤثر أي خلل فيها في قدرة الطفل على الفهم وتم تحديدها فيما يلي:
أولاً: المهارات المعرفية
كلمة السر: «الإدراك»
يُفسر الدماغ المعلومات الحسية المختلفة التي يتلقاها من البيئة المحيطة به، عن طريق الإدراك والذي يعني وفقًا لرسالة ماجستير عن صعوبات الفهم القرائي بقسم التربية الخاصة في جامعة دمشق، بأنه «القدرة على تنظيم المعلومات الحسية التي يتلقاها الدماغ عبر الحواس المختلفة، ومعالجتها في إطار الخبرات السابقة وإعطائها دلالاتها المعرفية المختلفة».
يُعد الإدراك البصري والإدراك السمعي عمليتان ضروريتان في تعلم الحروف وأصواتها وإتقان مهارة القراءة، إلا أن مهارة الفهم القرائي تحتاج إلى إدراك دلالات التعبير اللغوي، وبحسب دراسة منشورة على موقع «ريسرش جيت»، فإن إدراك دلالات التعبير اللغوي يرتبط بالقدرة على تعلم القراءة وفقًا لـ«نظرية الجشطالت» في التعلم والتي تهدف إلى تعلم القراءة بالطريقة الكلية بدلاً من الطريقة الجزئية. أي معالجة النص المقروء بوصفها وحدة واحدة وليست كلمات منفصلة يصعب على الأطفال إدراك دلالاتها، ووفقًا للدراسة السابقة يعاني بعض الأطفال من ضعف القدرة على إدراك الدلالات اللغوية المختلفة على الرغم من قدرتهم على فك رموز اللغة والقراءة الصحيحة، مما يؤدي إلى اضطراب الفهم القرائي.
الذاكرة العاملة.. جوهر الوظيفة التنفيذية للمخ
تُعد الذاكرة العاملة المسؤولة عن إجراء العمليات العقلية المعقدة، من فهم وإدراك وانتباه وتذكر، ووفقًا لتقرير منشور على موقع «جامعة ميشيغان» الأمريكية، فإن الذاكرة العاملة هي المحرك الأساسي لعملية الفهم القرائي، إذ تؤثر سعة الذاكرة العاملة في الفترة التي يتم فيها الاحتفاظ بالمعلومات المكتسبة، كما تؤثر في طريقة معالجتها للمعلومات وربطها بالمعلومات المخزنة في الذاكرة طويلة المدى، وبالتالي خلق صورة مترابطة من دلالات المعاني المختلفة حتى يتحقق الفهم القرائي، ويعاني الأطفال الذين يواجهون ضعفًا في الذاكرة العاملة من اضطراب الفهم القرائي.
ثانيًا: مهارات الفهم العليا والاستدلال.. استنتاج ما وراء النص
يُعد توليد الاستدلالات مهارة مهمة للتواصل والتعلم في جميع مراحل التطور، وبحسب أثناسيوس دريجاس الباحث الأول في دراسة ترصد العلاقة بين «الإدراك والفهم القرائي» فإن القدرة على الاستدلال تُشير إلى القدرة على دمج المعلومات الموجودة داخل النصوص المقروءة والخلفية المعرفية للطفل واستنتاج معلومات لم يتم ذكرها بشكل صريح في النص، وتعد عدم القدرة على الاستدلال مؤشرًا على اضطراب الفهم القرائي.
كيف يبدو الطفل الذي يعاني من اضطراب الفهم القرائي؟
تظهر أعراض اضطراب الفهم القرائي أول مرة عادة عندما يُكمل الطفل عامه التاسع، إلا إنه في بعض الأحيان يتم تشخيصه بعد أن يتخطى هذا العمر، خاصة عندما يتوقع من الطفل أن يقوم بتحليل النصوص المعقدة. وقد ذكر موقع «فيرى ويل فاميلي» الطبي بعض المؤشرات التي تظهر على الطفل وقد تساعد في الكشف عن اضطراب الفهم القرائي ومنها ما يلي:
- صعوبة التعرف على بعض الكلمات وفهم دلالاتها.
- صعوبة استخلاص الأفكار الرئيسية في النصوص المقروءة.
- الإحباط المتكرر من القراءة بسبب الأخطاء المتكررة.
- عدم القدرة على تذكر المعلومات الموجودة في النص وربطها بالخلفيات المعرفية لدى الطفل.
- صعوبة القراءة الجهرية.
ما العوامل التي تزيد من خطر الإصابة باضطراب الفهم القرائي؟
أشار موقع «فري ويل فاميلي» الطبي إلى أن اضطراب الفهم القرائي قد يأتي باعتباره أحد الأعراض المصاحبة لبعض الاضطرابات الأخرى مثل:
- اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط (ADHD): يعاني الأطفال المصابون باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه من مشكلات في الذاكرة العاملة مما يُزيد من خطر الإصابة باضطراب الفهم القرائي.
- التوحد: يعاني بعض الأطفال المصابين بالتوحد من الـ«هايبر لكسيا» التي تعني القدرة المفرطة على القراءة بطلاقة في سن صغيرة لكن دون فهم، إذ يُصاحب الهايبر لكسيا اضطراب الفهم القرائي.
- عُسر القراءة: يُشير عسر القراءة بشكل أساسي إلى صعوبة التعرف على الحروف وربط الحرف بصوته، لكن في بعض الأحيان قد يكون اضطراب الفهم القرائي مصاحب لعُسر القراءة فلا يستطيع الطفل التعرف على الحروف ولا فهم النصوص المكتوبة.
إستراتيجيات تساعدك في التغلب على اضطراب الفهم القرائي
يُعد الفهم القرائي هو الهدف النهائي من القراءة، ووفقًا لموقع «إديوتوبيا» التعليمي، فقد تساعدك هذه الإستراتيجيات على تحقيق هذا الهدف:
إتقان اللغة المنطوقة ثم إتقان القراءة
عادة ما يُعاني الأطفال ذوي اضطراب الفهم القرائي من مشكلات في فهم اللغة المنطوقة، لذلك من المهم التغلب على هذه المشكلات وتعلم مهارات التفكير والفهم في اللغة المنطوقة أولاً، ثم الانتقال إلى مرحلة تعلم القراءة.
تعلم المفردات الجديدة
يُعاني الأطفال ذوي اضطراب الفهم القرائي من ضعف الحصيلة اللغوية، لذلك من الأفضل تعليمهم بعض المعاني والمفردات اللغوية الجديدة، فينعكس تحسن مهاراتهم اللغوية على تحسن قدرتهم على فهم النص المقروء.
تعليم إستراتيجيات التفكير
يواجه بعض الأطفال صعوبة في فهم النص بسبب عدم امتلاكهم مهارات التفكير التي تساعدهم على الوصول إلى المعاني الاستدلالية الموجودة في النص، لذا قد يساعدهم طرح بعض الأسئلة حول النص وربط النص المكتوب ببعض الأحداث أو الصور إلى الوصول إلى المعنى المقصود من وراء ما يقرؤونه.
طرح المزيد من الأسئلة حول النص
يجب ألا يكتفي الآباء أو مقدمو الرعاية بإثارة الأسئلة حول النص المقروء، لكن من الأفضل إفساح المجال للطفل لتبادل الأدوار وطرح الأسئلة وتقديم حلول ومقترحات مختلفة، ووضع مقترحات مختلفة حول تسلسل الأحداث، حتى يتم تحفيز مهارة الفهم القرائي.
تعليم مهارات تحليل النص بشكل مباشر
يساعد تعلم مهارات تحليل النص بشكل مباشر مثل: (التسلسل والحبكة وكيفية عمل الاستنتاج النهائي)، على تسهيل عملية تطبيق هذه المهارة على النصوص المختلفة، وبالتالي تبسيط عملية فهمها والتغلب على مشكلات الفهم القرائي.
المصدر:ساسة بوست