أخبار منوعة

أهمية الدعم النفسي بعد الكارثة خلال رحلة التعافي من الصدمة

أظهرت أبحاث جديدة أن الناجين من الكوارث الطبيعية يعانون أحياناً من آثار نفسية جسيمة تستمر لشهور وسنوات. فيما لا تتوفر الخدمات الصحية النفسية مثل الدعم النفسي بعد الكارثة أو يصعب الوصول إليها عادة في الأوقات التي تكون فيها الحالة العاطفية في أدنى مستوياتها ضمن المجتمعات المتضررة من الكارثة، إذ يمكن أن يكون الأثر العاطفي للكوارث الطبيعية جسيماًعلى صحة الأفراد والمجتمعات النفسية.

يقول الخبراء أن خطط الاستجابة للكوارث يجب أن تطور استراتيجيات لدعم الحاجات الصحية النفسية لضحايا الكوارث على المدى الطويل.

يحتاج المتضررون من الكارثة إلى الدعم الصحي النفسي لمدة أطول من المتوفرة عادة، وذلك وفق تقرير مركز التحكم بالأمراض ومنعها (CDC) الذي تناول التأثيرات الصحية النفسية على المدى الطويل لإعصار إيرما، والذي ضرب ولاية فلوريدا في أيلول 2017.

بالاستعانة بالمعطيات التي جمعت من استبيانات الناجين، وجد التقرير أن القلق والاكتئاب قد تفاقما، وارتفعت معدلات الانتحار عالياً على مدى عشرين شهراً بعد الإعصار. لم يستطع مايقارب 40% من سكان المنازل ممن أبلغوا عن حاجتهم للخدمات النفسية الحصول على الدعم بسبب تكاليفه المرتفعة غالباً.

فيما يلي نظرة عن كثب على التأثير العاطفي طويل المدى للكوارث الطبيعية. ولماذا يمكن أن يكون أكثر سوءاً من تأثيرها المباشر، بالإضافة إلى الحاجة الماسة للدعم النفسي المستمر للضحايا.

الأثر العاطفي للكوارث الطبيعية

يمكن أن تكون آثار الكوارث الطبيعية جسيمة على صحة الأفراد والمجتمعات النفسية. لا شك أن رؤية المنازل المنهارة والحالة المزرية للبنى التحتية بعد الكارثة مباشرة قد تكون مروعة.

لكن “تسوء الأمور حقاً” بعد سنة إلى سنة ونصف من حدوث الكارثة، حسب الدكتورة في علم النفس سمر هارتلي (Summer Hartley).

تقول الطبيبة إليزابيث نيثرتون (Eliasabeth Netherton): ” لا تحدث الكوارث الطبيعية ثم تنتهي فقط. سُميت “كوارث” لأن لها أثاراً بعيدة المدى ومستمرة على حياة الناس.”

المثير للدهشة هو أن الحالة العاطفية في المجتمع تكون في أعلى مستوياتها خلال الأسابيع القليلة بعد الكارثة الطبيعية والتي تشمل “المرحلة البطوليةheroic phase” من مراحل الكارثة. يشهد الناس خلالها عمليات الإنقاذ ويساهمون بها في جو يسوده الإيثار. يلي هذه المرحلة “مرحلة شهر العسل/honeymoon phase” والتي يعزز فيها تدفق المساعدات والعون التفاؤل والترابط بين أواصر المجتمع.

يقول الطبيب النفسي غراي سمول (Gray W.Small) : “لكن، يتراجع زخم الدعم بمرور الوقت، ويعود ذلك إلى محدودية المصادر وقلة إدراك الأثر المستمر للكارثة على الصحة النفسية”. وذلك حين تدخل المجتمعات المتضررة مرحلة “الإحباط وزوال الوهم/disillusionment phase” والتي تتميز بحالة عاطفية منخفضة المستوى. إذ يحزم المنقذون وغيرهم من المستجيبين للكارثة أمتعتهم ويغادرون، فيشعر الناس بالوحدة وبأن الآخرين قد تخلوا عنهم. 

يعاني الكثير من أفراد المجتمع من الإنهاك الجسدي ويبرز اضطراب تعاطي المواد المخدرة إلى الواجهة خلال هذه المرحلة. وقد تشعل بعض الأحداث المثيرة، مثل الذكرى السنوية للكارثة، الشرارة الأولى للمشكلات الصحية النفسية.

توضح كريستين رويلوفزون (Kristin Roelofson)، ماجستير في الصحة العامة ذلك بالقول: “قد تخلق الذكرى السنوية للكارثة مشاعر الاكتئاب لدى أفراد المجتمع. إذ يعودون بذاكرتهم إلى اللحظة التي انقلبت فيها حياتهم رأساً على عقب ويتأملون كيف أصبحت الآن”.

إيجاد الدعم النفسي خلال رحلة التعافي من الكارثة

على الرغم من ازدياد المشاكل الصحية النفسية، يمكن أن يكون من الصعب الوصول إلى خدمات الدعم خلال مرحلة الإحباط وزوال الوهم.

في بعض الحالات، قد لا تكون الخدمات النفسية المتوفرة قادرة على تلبية ما تتطلبه المرحلة الراهنة. خاصةً بعد أن استنزفت الأزمة مصادر الدعم.

إضافة إلى ذلك، لا تخلو عملية الشفاء من الكارثة من التحديات التي تظهر أمام الناس المحتاجين للدعم العاطفي، ما يجعل الوصول إلى الخدمات أكثر صعوبة.

تقول رويلوفزون موضحة: “تدمر الكوارث حالة الفرد الطبيعية، بما فيها الروتين اليومي، النشاطات المعتادة، الوظيفة، التنقل، السكن والعلاقات الاجتماعية.”

قد يكون العلاج النفسي ذا تكلفة عالية في الأوقات الطبيعية. وقد يتفاقم هذا العائق خلال التعافي من الكارثة حين تتضرر أعمال الناس وأرزاقهم ويحاولون جني الأموال بشتى الطرق المتاحة لترميم ما تتضرر أو حتى إيجاد منزل جديد.

تقول الدكتورة نيثرتون: ” لا يكون تركيز الجموع المباشر على تلقي الرعاية أحياناً.،حتى حين يستطيعون دفع تكاليفها. إذ ينغمسون فوراً في إعادة تأسيس حياتهم الطبيعية وما يشعرهم بالأمان”.

وتضيف أيضاً: “في المراحل الأخيرة التي تلي الكارثة، قد تنشأ تحديات فيما يتعلق بالاستقرار الوظيفي والتأمين. وترافقها صعوبات في العثور على مقدمي خدمات لا يزالون موجودين في المكان.”

حشد الدعم الصحي النفسي على المدى الطويل

تشير الدراسة التي تناولت أثر إعصار إيرما أن خطة الاستعداد للطوارئ يجب أن تجد طرقاً لتمديد الخدمات الصحية النفسية حتى تغطي مراحل التعافي طويلة الأمد.

في هذا الصدد، يقول الدكتور سمول: ” يجب إعطاء الأولوية للتركيز على الأشخاص الذين يفتقرون للموارد المالية. وزيادة تواجد الخدمات الصحية النفسية على مرأى منهم خلال الأوقات التي يُتوقع فيها أن تكون الحالة العاطفية في أدنى مستوياتها، إضافة إلى استراتيجيات منع الانتحار.”

لكن النقص المستمر في عدد أخصائيي الصحة النفسية بالتزامن مع الأحوال الجوية الصعبة يفرضان تحديات كبيرة أمام تكثيف الدعم طويل الأمد الذي يحتاج إليه الناجون من الكوارث.

تقترح رويلوفزون : “حشد وتعبئة العاملين في المجال الصحي، وحتى الاستشاريين والأخصائيين الاجتماعيين وتدريبهم لتقديم خدمات الصحة النفسية؛ وذلك كجزء من إعدادهم مهنياً”.

 وتضيف: ” قد يوفر هذا الأمر بوابة لأفراد المجتمع المحتاجين يتلقون عبرها الخدمات مجاناً أو بتكاليف منخفضة. ما يمكن أن يكون مفيداً للأشخاص المحرومين الذين يعانون من نقص الخدمات ويفتقرون للمصادر المالية وغيرها.”

يوصي تقرير مركز التحكم بالأمراض ومنعها بتوفير خدمة التطبيب عن بعد بهدف إتاحة الفرصة أمام الناس للحصول على الخدمات الصحية النفسية الافتراضية.

بافتراض أن الناجين قادرون على استخدام الهاتف أو الحاسوب، فمن المحتمل أن يتواصلوا مع المعالج النفسي في أي مكان.

بغض النظر عن الاستراتيجية المستخدمة، فإن تقديم الدعم الصحي النفسي على المدى الطويل هو أمر جوهري عندما يتعلق الأمر بمساعدة ضحايا الكوارث في استعادة قوتهم و التعافي من الصدمة.

تغير المناخ والطبيعة ليس مدعاة للقلق من الناحية البيئية فحسب، بل هو مسألة صحية نفسية أيضاً. 

خلاصة

عادة، لا يأتي الضرر العاطفي الأكبر للكارثة الطبيعية مباشرة عقب الحدث، بل بعد مرور أشهر عدة. لسوء الحظ، يظهر ذلك الضرر أحياناً في وقت تكون الخدمات الصحية النفسية غير متوفرة أو يصعب الوصول إليها. هذا الأمر يترك الضحايا دون أحد أو مكان يلجؤون إليه بحثاً عن الدعم.

ونتيجة ذلك، تشهد المجتمعات معدلات أعلى من الاكتئاب، القلق وحالات الانتحار. يقول الخبراء أن خطط الاستجابة للكوارث يجب أن تبدأ في تضمين استراتيجيات لتقديم الخدمات الصحية النفسية طويلة الأجل.

قد يكون ذلك صعباً وسط النقص المستمر في المعالجين، ولكن إيجاد طرق مبتكرة لتقديم الدعم (مثل الرعاية الصحية عن بُعد.) يمكن أن يساعد الأشخاص في الوصول إلى الخدمات عندما يكونون في أمس الحاجة إليها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock