كتاب أكاديميا

د. صالح الإبراهيم يكتب:هل يمكن تطوير جامعة الكويت بقيادات في سن الكهولة؟

في عام 2013، بناءً على طلب بعض الجهات، ومنها جامعة الكويت، باستثناء بعض الفئات الوظيفية من الإحالة المبكرة للتقاعد، وموافقة مجلس الوزراء ومجلس الخدمة المدنية، صدر القانون رقم 103 لسنة 2013 بتعديل البند 9 من المادة 32 من المرسوم بالقانون رقم 15 لسنة 1979 في شأن الخدمة المدنية، حيث استثنى أعضاء هيئة التدريس بالجامعات والمعاهد التطبيقية الحكومية، على أن تنتهي خدمتهم ببلوغ سن الخامسة والسبعين طبقاً للقواعد والأحكام التي يضعها مجلس الخدمة المدنية. إذ أوضح المرسوم هذا التعديل نظراً لارتفاع معدلات العمر في السنوات الأخيرة وحاجة المرفق لخدمات بعض الفئات الوظيفية لطبيعة عملها وللخبرات المكتسبة والمهمة فيها.
إنَّ التخلي عن سن التقاعد المحدد ب (65) سنة قد سمح للمتميزين من أساتذة الجامعة للتفرغ للبحث والإنتاج العلمي، وإثراء العلم والمعرفة والخبرة الإنسانية التي تعود على الإنسان والأوطان بالفائدة. فالبحث العلمي لا يتوقف عند عمر معين، طالما كانت البيئة العلمية تشجع على الاستمرارية والإنتاج. ولقد استبشرنا خيرا لهذا القانون آنذاك، إذ يمثل أعضاء هيئة التدريس ممن تجاوز الخامسة الستين من العمر نسبة لا يمكن التهاون فيها، وأنَّ الاستغناء عنهم قد يؤدي إلى نقص حاد في الأعداد والخبرات العلمية المؤهلة. فهؤلاء الأساتذة يُعتبرون ثروة وطنية نادرة، تمَّ اختيارهم وفق معايير تنافسية لإيفادهم في بعثات دراسية في أرقى الجامعات العالمية، ولهم مؤلفات علمية ومشاركات في مؤتمرات دولية، وترقوا علمياً وفق معايير تتراوح بين البحث الأصيل والتدريس الجامعي المتميز وخدمة جامعتهم ومجتمعهم. فهؤلاء النخبة من المتميزين يجب المحافظة عليهم لفترات استثنائية أطول، وتزداد قيمتهم مع مرور السنين وتراكم خبراتهم ومعارفهم.
ويمكن تحديد مصطلح “كبار السن” بمن بلغت أعمارهم 60 سنة أو أكثر، كما عرفته منظمة الصحة العالمية، وتتفق أغلب دول العالم على أن سن 65 هو بداية مرحلة الكهولة أو المسنين. إذ تظهر على المسن أعراض التدهور الجسمي وتأثيره على الهيكل العظمي العضلي الحركي والجهاز الدوري والتنفسي والعصبي والجهاز الهضمي والإخصاب والمناعة والغدد والهرمونات. وتعاني الحواس من الضعف كنقص حدة البصر وفقد حدة السمع وتأثيرها على الإدراك وظهور الأمراض المزمنة. وعلى الرغم من عمل معظم وظائف الجسم بصورة مناسبة، إلا أنَّ التراجع في بعض الوظائف البدنية قد يجعل هؤلاء الأفراد أقل قدرة على التعامل مع صور وأنشطة الإجهاد البدني.
ومن الأمور النفسية المصاحبة للتغيرات المهنية لدى كبير السن هو الشعور بفقدان المنصب أو المكانة المهنية وعدم الاستعداد له وتقبله. وتنشأ ظاهرة الاعتمادية على الآخرين في كثير من الأمور اليومية بالعمل، وتسبب قلقاً ومخاوف لا مبرر لها. وقد يستغرق المسن في حل المشكلات فترة زمنية أطول من المعتاد. وغالباً ما يعتد كبير السن برأيه ويرفض آراء الآخرين ويعتبرها تهديداً لمكانته المهنية، والحساسية لكل أشكال النقد، والقناعة بأفضليته على الآخرين. بل إن ظن البعض منهم بتهديد مكانته يدعوه لخلق جواً عدائياً رافضاً لكل جديد من الأفكار والزملاء وبث حالة من التوتر.
إنَّ استثناء قانون التقاعد لأعضاء هيئة التدريس في الجامعة قد حقق شقاً مهما من الغرض المأمول منه نسبياً، ولكن تطبيقه دون مراعاة لأهدافه كاملة قد شكل انحرافا عن الغاية المقصودة منه. إذ هدف المشرع من هذا التعديل إلى الإستفادة من الخبرة العلمية لأساتذة الجامعة، والتي تتلخص في التدريس والبحث العلمي والإشراف على طلبة الدراسات العليا لأطول فترة زمنية ممكنة، وليس للاستفادة منهم للعمل الإداري. فقد ظهر هذا الانحراف بتقلد الكثير من كبار السن للمناصب الإدارية والقيادية في الجامعة، وأوعزت لهم مهام رئاسة الأقسام العلمية والوحدات وعمادة الكليات ومساعدي العمداء، وإدارة الجامعة في بعض الأحيان. وأقحمتهم في اللجان الفنية التي تستلزم اتخاذ قرارات مصيرية وحساسة كلجان التعيينات والترقيات والبعثات وإدارة برامج الدراسات العليا وغيرها. وغالباً ما كانت تلك المناصب للترضيات وتقديراً لسنوات العمل الطويلة والأداء التدريسي الشاق وتخفيف المجهود المرتبط به. فصارت المناصب الإدارية مجالاً جاذباً للراغبين في الراحة المدمجة بالمزايا الوظيفية الخيالية.
لقد استحوذت بعض المناصب في الجامعة على كبار السن الذين يتعذر عليهم التواجد المستمر في مراكز العمل، والاعتماد على المساعدين والسكرتارية لتسيير الأعمال والمهام المطلوبة، وإهمال بعض المهام الوظيفية المنوطة بهم، والوقوع في المخالفات القانونية والأخطاء غير المبررة في اتخاذ القرارات. إنَّ إرساء تلك المناصب لكبار السن فيه تعطيل لكثير من الأعمال التي تستلزم جهداً عقلياً ونفسياً وبدنياً وتواجداً مستمراً قد يفتقدها البعض. ناهيك عن تكالب البعض على هذه المناصب لما فيها من استعادة للمكانة المهنية والسيطرة على بيئة العمل والوصاية عليه لآخر يوم في الحياة المهنية. وبنظرة فاحصة على بعض كليات الجامعة يمكننا معرفة السبب في تردي الأوضاع فيها، وهو تسليم مناصب العمداء فيها ورؤساء الأقسام لكبار السن من ذوي الأمراض المزمنة والانشغال بطرق أبواب المستشفيات طلباً للعلاج، نسأل الله لهم الشفاء والراحة. إنَّ الاستمرار في هذا النهج فيه دماراً للصرح العلمي الذي يديره بعض المسنين الذين توارثوا المناصب لغاية الرمق الأخير من وجودهم في الجامعة.
ولتصحيح هذا الانحراف في تطبيق قانون تمديد سن التقاعد، يجب أن تُوكل لهذه الفئة العمرية المهام التي تحقق الغاية من القانون، كالتفرغ للتدريس الجامعي والإشراف على طلبة الدراسات العليا والبحث العلمي، وعدم تقليدهم الأعمال الإدارية كعمادة الكليات ورئاسة الأقسام العلمية واللجان الفنية الحساسة. أتمنى من المُهتمين في جامعة الكويت ممن ينشدون التطوير وانتشال الجامعة من غفوتها أن يقوموا بدراسة واقع جامعة الكويت خلال الخمس عشرة سنة الماضية والمقارنة بين الإدارات التي تقلدها من تجاوزت أعمارهم (65) مع من هم في المراحل العمرية الأقل في مستوى الإنجازات وتطوير البرامج العلمية والالتزام بالحضور الكامل والفاعل وطبيعة المناخ الإداري والاجتماعي السائد في بيئة العمل والتعاون مع الزملاء.
نتمنى أن يتم النظر في هذه التعيينات أسوة بما تمَّ تطبيقه على المستشارين في الديوان الأميري والوزارات ممن بلغوا هذه السن، وتسليم الإدارة الجامعية للدماء الشابة من أبناء الوطن.

د. صالح الإبراهيم
كلية التربية – جامعة الكويت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock