هل غيّرت كورونا تعاملنا مع العائلة؟.. طبيبة نفسية ترصد تجربتها الصعبة مع أبنائها
تُعد مرحلة المراهقة الفترة التي يبدأ فيها الطفل باكتشاف ذاته بعيدا عن الوالدين والتحوّل تدريجيا إلى إنسان مستقل؛ لكن الجائحة تسببت في ظهور جيل كامل من المراهقين المقيّدين في المنازل مع آبائهم وأمهاتهم.
في مقال لها بصحيفة “نيويورك تايمز” (nytimes) الأميركية، سلّطت الطبيبة النفسية، كريستين هاويرتون، الضوء على تجربتها الصعبة مع أبنائها المراهقين خلال أزمة كورونا، التي قلّصت من هامش الحرية المتاح لهم بشكل غير مسبوق.
تحوّل جذري
تقول الكاتبة إنها كانت تستضيف العديد من أصدقاء أطفالها في المنزل، وتحاول أن توفر لهم أجواء ممتعة؛ لأنها تعلم أهمية الأصدقاء في تلك المرحلة، ورغبة الأبناء بالابتعاد عن الوالدين.
لكن عندما أُغلقت المدارس، وبات من الضروري اتباع إرشادات التباعد الجسدي، لاحظت أن أبناءها المراهقين تضرروا نفسيا بشكل كبير، حيث شعروا بالوحدة واشتاقوا لرؤية أصدقائهم، وتحسروا على كل الأوقات الجميلة التي ضاعت منهم، وأصبحوا سريعي الغضب.
وبعد أن كانوا يتواصلون باستمرار مع أصدقائهم عبر الإنترنت في بداية الإغلاق، تضاءلت تلك الرغبة في التواصل الرقمي، وسادت حالة من اليأس، وتسبب غياب التفاعل الحقيقي في مزيج من الإحساس بالعزلة والحزن لدى الأطفال.
وحسب رأيها، فإن مسؤولية كبيرة أُلقيت على عاتق الوالدين خلال الفترة الماضية للتعامل مع مخاطر الجائحة، وهو ما جعلهم يتخذون قرارات صعبة للغاية.
وتؤكد هاويرتون أن أبناءها اعتبروا أنها بالغت في مخاوفها أثناء الأزمة، وفرضت جوا صارما مقارنة بعدد من أقرانهم، الذين لم تشهد حياتهم تغيرا جذريا فيما يتعلق بالمناسبات الاجتماعية وقواعد السلامة.
أسلوب مختلف حتى انتهاء الأزمة
كانت تتأرجح بين التشدد والتساهل؛ إذ كانت تخفف القيود حين تشعر بالذنب، وما تلبث أن تتصرف بصرامة عندما تسيطر عليها المخاوف.
وفي إحدى المناسبات، تقول إنها راقبت أبناءها خلسة، ووبّختهم أمام أصدقائهم بسبب نزع أقنعة الوجه الواقية؛ لكنها لم تكن راضية بتاتا عن تصرفها، لأنها لا تريد أن تكون أُمّا تتجسس على أطفالها، أو تصرخ في وجوههم في مكان عام.
بين التشدد والتساهل
وحسب رأيها، فإن الجائحة غيّرت من طبيعتها كأم. ومع أنها لا تريد أن تتحكم في كل خطوة من خطوات أبنائها، أو أن تمنعهم من قضاء الوقت مع أصدقائهم؛ إلا أنها كانت ترغب بشدة في حمايتهم من فيروس كورونا، وألا تكون عائلتها مسؤولة عن إصابة أي شخص آخر بالعدوى.
لذلك، حاولت أن تجد بعض البدائل لتمنح الأطفال قدرا من الاستقلالية التي يحتاجونها، بدون المخاطرة بصحتهم، مثل صبغ الشعر بألوان غريبة، والتساهل بشأن الدرجات الدراسية، وتخفيف بعض القواعد الصارمة.
وفي خضم القلق المتزايد حول تداعيات أزمة كورونا على الصحة النفسية للأطفال، ترى الكاتبة أنه من المهم جداً منح المراهقين قدراً أكبر من العطف والحب وتفهم حاجتهم لأن يكونوا مستقلين عن الوالدين؛ لذلك فإنها حاولت أن تنصت لهم بصبر وتشاركهم أحزانهم وخيباتهم وتمنحهم الأمل.
وتقول هاويرتون إنها اعترفت لأطفالها بأنها لا تحب أسلوبها التربوي الحالي؛ لكنها ترى أنه الأسلوب الأفضل لحمايتهم من الوباء وحماية المجتمع ككل. وقد وعدتهم بأن يعودوا إلى حياتهم الطبيعية بعد انتهاء الجائحة، وأن تعود هي لاعتماد الأساليب التربوية التي تدعم استقلاليتهم.
المصدر :
نيويورك تايمز