بذراع مكسورة.. شاب يدوّن وجوه المسافرين على تذاكر المترو بمصر
في زمن ما كان ما يعنيه المرء باستخدام عبارة “التصوير” هو الخطوط المرسومة بدقة على الأوراق أو الأقمشة أو غيرهما من الخامات، لكن في زمننا تطورت اللفظة لتحتفظ بالمعنى القديم -وإن كان نادرًا- وتكتسب معنى جديدا باختراع آلة التصوير.
ووفقا لميولنا الإنسانية المشتركة، فإن كل ما مضى يكون له بريق الذهب والحنين، مما جعل العالم حتى اللحظة منبهراً باللوحات الزيتية، وبكل تقدم يحرز في هذا المجال.
كان محمد عصام (24 عامًا) القادم من محافظة السويس (شرق العاصمة المصرية القاهرة) والمقيم على أطراف العاصمة أثناء أيام عمله والدارس للتجارة في مدينة بنها (شمال العاصمة) يؤدي دوره كمحاضر في إحدى شركات التدريب الخاصة بحي مدينة نصر وبذراع مكسورة.
قد تتساءل كيف يمكن لشخص كُسرت يده اليمنى التي يستخدمها في الكتابة والرسم أن يكون محاضرًا ومنتجًا للرسم، وهو الذي قضى ما يقارب ربع قرن بقليل لا يعرف كيف هو شعور الأعسر؟ هذا ما بدأ به عصام حديثه إذ يقول “كنا نلعب كرة القد وانكسرت يدي.. حاولت العمل بيدي اليسرى، وكان أول ما أنجزته صورة بورتريه على الجبس من لوحات فان جوخ بالأكلريك”.
بين التجارة والرسم
لا يوجد -حسب رأي عصام- مساحات طبيعية للتقاطع بين دراسة التجارة والرسم، لكن الأصل يعود إلى كونه اكتشف عدم تأقلمه مع دراسته، فلجأ إلى الدراسة الذاتية عبر الإنترنت لتنمية موهبته ومتابعة مناهج كليات الفنون الجميلة، دون الالتحاق النظامي، تأسيسًا على ما تعلمه في الصغر في قصر ثقافة السويس من أساسيات أثرت في خطوطه ورسومه.
كان التحدي هو ما دفع عصام، أو رسام المترو كما ينعته مستخدمو موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، الذين شاركوه رسم أولى لوحاته على تذاكر المتر، وصولاً إلى تنفيذ لوحاته على المساحات الصغيرة.
ويقول عصام “الرسم على المساحات الصغيرة أصعب، ويظهر جماليات اللوحة، ويشير إلى مهارة الرسام، لكنني أحترف الآن الرسم على المساحات الصغيرة والكبيرة معًا”.
تسع سنوات هي مجموع ما قضاه عصام في ممارسة الرسم على المساحات العادية، وقضى سنتين في الرسم على المساحات الصغيرة. كانت المحاولات الأولى مجموعة صور بورتريهات لشخصيات مشهورة كعبد الحليم حافظ وأم كلثوم وإسماعيل ياسين وغيرهم، وبلغ عددها سبع لوحات، وتمت على لوحة كاملة.
صعوبات
الهدف من هذا التحدي هو مواجهة الصعوبة والتعرف على الإمكانيات بما تمتلك من أدوات، فالزمن الذي تستغرقه المواصلات طويل للدرجة التي تدفعه لاستخدامه في التطوير.. ثلاث ساعات ذهابًا ومثلها إيابا يقضيها عصام يوميا من منزله المؤقت بالعاصمة إلى مقر عمله في مدينة نصر.
ويمارس عصام التجربة الجديدة عبر أوراقه وأقلامه في المساحة التي يحددها، إلى أن جاء اليوم الممهد لشهرته عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويقول “في يوم لم تكن معي أوراق للرسم، ولا أملك ساعتها سوى قلما وتذكرة المترو، فرسمت وأعجبت بالمحاولة”.
يوماً بعد يوم، حاول عصام ممارسة الأصعب عبر وجوه معروفة، وإعادة إنتاج اللوحات السبع للمشاهير، ثم رسم الوجوه التي يلتقيها مباشرة، وخاض تجربة الكاريكاتير مع صديق رغم رفض البعض رسمهم.
رسم على محامل متنوعة
يعمل عصام بخامات الأكليرك والجاف والفحم والرصاص والباستيل في مرسمه ومع طلابه، لكنه مع سلسلة تذاكر المترو فضل العمل بالقلم الجاف (القلم المستخدم في الكتابة اليومية) لدرجته اللونية المميزة، حسب ما قاله عصام للجزيرة.
ويدرك عصام أنه ليس الوحيد الذي يعمل في المساحات الصغيرة، بل يضرب أمثلة بأشخاص يرسمون على العلكة، وآخرين على المكسرات، لكن لا ينافسه حتى الآن من يرسم على تذاكر المترو.
وصار التحدي الآن روتيناً يومياً؛ فصور العابرين أو تلك التي يلتقطها أصدقاء مصورون يصورها عصام بقلمه في مساحة التذكرة في فترة زمنية تتراوح بين 15 دقيقة وساعة كاملة، حسب قدر التفاصيل التي يزيدها.
ويرى عصام في لوحات دافنشي ورين برا نماذج ملهمة وخطوطاً عبقرية ونهجا يعمل على أثره، وهو التحدي الذي يواجهه حالياً والمتمثل في الجودة والنهج.
المصدر :
الجزيرة