أندية الحساب الذهني تجتاح تونس
حققت الأندية المتخصصة في مجال الحساب الذهني في تونس انتشارا واسعا خلال السنوات القليلة الماضية.
تلك الأندية تسوّق للعبقرية وتطور الذكاء من خلال تمكين التلاميذ من مهارات خاصة لإجراء العمليات الحسابية عبر طرق تعتمد وسائل غريبة عن الوسائل التربوية التقليدية المعتمدة في المناهج الدراسية.
وقد التقت في هذه الأندية ضالة العديد من أولياء التلاميذ التونسيين في تنمية ذكاء أبنائهم ودفعهم نحو التميز، وضالة العديد من الشباب الباحث عن فرص للعمل خاصة في ظل أزمة البطالة الخانقة التي تعيشها تونس.
عبقرية متفردة
وفي حين تطغى على بعض الأندية مظاهر الفخامة والرفاه، فإن البعض الآخر نشأ في فضاءات بسيطة محدودة الإمكانيات.
وأيا كان المشهد الخارجي، فإن وسائل العمل واحدة: معداد ذو حبات تمثل الآحاد والعشرات والمئات والآلاف (أباكوس)، وأصابع تتحرك في حركة موازية مع تقسيمات الوجه، وكتب مستنسخة من مناهج قادمة من بلاد الشمس، وخيال يمنح المتعلم إمكانيات لفك شفرة عمليات حسابية معقدة دون ورقة أو آلة حاسبة.
كل ذلك يختزل درس الحساب الذهني الذي يعد رياضة ذهنية تهدف إلى تشغيل خلايا الدماغ وتنشيطها وتنمية قدرات الطفل الذهنية.
“فيروز قاسم” مدربة دولية في الحساب الذهني وحكمة في المسابقات، أفادت بوجود 24 منهجا معتمدا للحساب الذهني في تونس، جميعها ينطلق من مرجعية يابانية، غير أن كل منهج يُطوَّع بشكل يختلف عن غيره.
وتعتمد فيروز ما يسمى بطريقة “البرق”، وهي واحدة من المناهج الأربعة والعشرين التي يعتمدها أكثر من مئتي مدرب في تونس، جميعهم تمرنوا على أيدي مدربين من المغرب.
من ناحيتها، تؤكد إيمان معط الله -وهي مدربة دولية- أهمية إجراء اختبار قبلي للتلميذ قبل مزاولته هذا النوع من الحساب، وذلك حتى يتناسب مع إمكاناته الذهنية ولا يصيبه تشويش.
وأشارت إلى ضرورة الابتعاد بدرس الحساب الذهني عن منطق التجارة، مشددة على أن نجاح تعلم هذا النوع من الحساب مرتبط بوعي ولي الأمر والضمير المهني للمدربين.
يرتبط الحساب الذهني كثيرا في ذهن ولي الأمر بالنتائج والجدوى والقيمة المضافة الممكنة للذكاء والعبقرية بالنسبة لابنه، فمعلوم أن الشريحة الأوسع التي تستهدفها دروس الحساب الذهني هي تلك التي تقع بين سن 6 و15 سنة، وبالتالي كثيرا ما يلجأ الأولياء إلى الأندية من أجل شحن أبنائهم بالمهارات الممكنة للتميز في مجال الرياضيات.
يقول الحبيب -وهو وليّ لتلميذ يبلغ من العمر عشر سنوات- إن ابنه يقبل بشغف كبير على نادي الحساب الذهني، مؤكدا أن المهارات التي حصل عليها في النادي الذي يرتاده منذ سنتين، مكنته من أن يكون متميزا في مادة الرياضيات.
من ناحيتها، أشارت مريم -وهي أم لطفلين- إلى أن تجربتها مع أندية الحساب الذهني كانت مختلفة.
ففي حين أن ابنتها الكبرى حققت من خلال التجربة الكثير من النجاح الذي انعكس على مستواها الدراسي في العلوم، فإن تجربتها مع الصغرى كانت مخيبة جدا، فقد شعرت بعد مدة من الزمن بأن ابنتها لم تتقدم ولم تحصد نجاحا معرفيا يذكر، مشيرة إلى أن الأندية اختلط فيها الحابل بالنابل.
أما عن رأي المختصين في علوم التربية، فيؤكد رئيس الجمعية التونسية لبيداغوجيا التربية الدكتور مبروك العلوي -في تصريح للجزيرة نت- أن الحساب الذهني يعتبر من طرق التدريس المغايرة للتعلم الدماغي والتقليدي الممل، موضحا أنها تنمي التشابك العصبي والليونة العصبية في المخ، مما يساهم في تنمية الذكاء والذاكرة.
وأشار العلوي إلى أهمية دمج مادة الحساب الذهني على الطريقة اليابانية ضمن الرياضيات وتوظيفها في تطوير درس الحساب.
وعي رسمي
اللافت للنظر أن الحساب الذهني على الطريقة اليابانية خرج من إطار الأندية الضيق ليصبح مجالا للتسابق على مستوى أكبر.
فقد أبدت وزارة التربية اهتماما بهذا النوع من الرياضيات، تمثل في إشرافها -في الأسبوع الأول من فبراير/شباط 2019- على أول بطولة وطنية للحساب الذهني، نظمتها مجموعة من الجمعيات بالحي الوطني الأولمبي بالمنزه بتونس الكبرى، وشارك فيها قرابة ثلاثة آلاف تلميذ من مختلف ولايات الجمهورية.
المدير العام للمركز الوطني البيداغوجي رياض بن بوكر أفاد في حديثه أنه في إطار التعاون التونسي الياباني منذ 2009، تم تعيين خبيرة يابانية في المركز الوطني للتجديد البيداغوجي والبحوث التربوية، لإطلاع الخبرات التونسية على التجربة اليابانية في تدريس الرياضيات، وكان ذلك مناسبة للاطلاع على تجربة هذا البلد في مجال الحساب الذهني.
وأشار بن بوكر إلى أن المناهج التعليمية في مجال الرياضيات لم تراجع منذ بداية الألفية الثانية، ولكن هذا لم يمنع صدور توصيات للمربيين من أجل اعتماد الحساب الذهني كآلية مساعدة في درس الرياضيات، وخاصة في المرحلة الابتدائية.
المصدر :
غ الجزيرة