كيف يساعدك خيالك في التغلب على مخاوفك؟
مخيلتنا تساعدنا في التغلب على مخاوفنا المستمرة واضطرابات القلق
يمكننا باستخدام مخيلتنا القيام بما نريد لأن الخيال يغذي الجانب الإبداعي لدينا ويتيح لنا فرصة إيجاد حلول لمشاكلنا، ويظهر بحث جديد أن الخيال يمكن أن يساعدنا أيضا على التخلص من مخاوفنا وقلقنا.
تقول ماريا كوهوت في تقريرها الذي نشره موقع “ميديكال نيوز توداي” الأميركي إن خيالنا يعتبر أداة مفيدة لنا بشكل لا يصدق، حيث يمكنه تهدئتنا خلال الأوقات العصيبة ومساعدتنا على حل المشاكل والتوصل إلى أفكار جديدة.
ويقول بعض الباحثين إن خيالنا -الذي يعطينا القدرة على وضع سيناريوهات مختلفة- هو السبب الجوهري الذي يجعل البشر مختلفين عن الكائنات الحيوانية.
ويفترض البحث الحالي أن ما نتخيله يمكن أن يؤثر على عقولنا وأجسادنا بطرق ملموسة جدا، فعلى سبيل المثال كشفت دراسة نشرتها مجلة “سايكولوجيكال ساينس” سنة 2009 أنه عندما نتخيل القيام بشيء ما تتوقع عقولنا وأجسامنا العمل المتخيل كما لو كان حدثا حقيقيا.
كما تشير نتائج دراسة أخرى نشرت في مجلة “كارنت بيولوجي” سنة 2013 إلى أن تخيل سماعنا أصواتا أو رؤيتنا أشكالا معينة يمكن أن يغير طريقة رؤيتنا للعالم في الحقيقة.
ويثبت بحث جديد أجراه فريق من جامعة كولورادو بولدر ومدرسة طب ماونت سيناي فينيويورك أن ما نتخيله يمكن أن يبدو حقيقيا بالنسبة لأدمغتنا شأنه شأن التجارب الحقيقية التي نعيشها.
وقد أوضح الباحثون في ورقة بحثية لهم نشرت بمجلة “نيورون” أنه بإمكاننا الاستفادة من “القوى السحرية” لمخيلتنا، وذلك لمساعدتنا في التغلب على مخاوفنا المستمرة واضطرابات القلق.
وفي هذا السياق، يقول البروفيسور تور ويغر المؤلف المشارك في الدراسة إن “هذا البحث يؤكد أن الخيال هو بمثابة حقيقة عصبية يمكن أن يؤثر في أدمغتنا وأجسادنا على نحو مهم بالنسبة لرفاهيتنا”.
الخيال هو بمثابة حقيقة عصبية يمكن أن يؤثر على أدمغتنا وأجسادنا على نحو مهم بالنسبة لرفاهيتنا
قوة تخيلاتنا
قد يوصي علماء النفس بعلاج يعرف باسم “العلاج بالتعرض” عندما يتعلق الأمر بمساعدة الأشخاص على التعامل مع حالات الخوف المرضي أو اضطرابات القلق.
ويهدف هذا النهج إلى تخفيف ارتباط الشخص بالمحفزات التي تثير استجابة الخوف لديه، وذلك عن طريق تعرضه لهذه المحفزات بصفة متكررة في بيئة آمنة تماما.
ويمكن أن يساعد هذا العلاج الشخص على الفصل بين تلك المحفزات والشعور بالتهديد والعواقب السلبية.
وفي الدراسة الجديدة استخدم الباحثون التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي لفحص دماغ المشاركين وتقييم نشاط الدماغ، سواء في مواقف حقيقية أو متخيلة تنطوي على محفزات غير سارة، ويهدف ذلك إلى معرفة ما إذا كان الخيال قد يساعدنا على تجاهل الروابط السلبية أم لا.
وفي هذا الصدد، تقول المؤلفة الرئيسية للدراسة ماريان كوميلا ريدان -وهي طالبة دراسات عليا بقسم علم النفس والأعصاب في جامعة كولورادو بولدر- إن “هذه النتائج الجديدة تعمل على سد فجوة طويلة الأمد بين الممارسة السريرية وعلم الأعصاب المعرفي”.
وخلال الدراسة الحالية جند فريق البحث 68 مشاركا يتمتعون بصحة جيدة، واشترطوا عليهم سماع صوت معين مع تلقي صدمة كهربائية غير مريحة لكنها غير مؤلمة، ثم قسموا المشاركين إلى ثلاث مجموعات.
بالنسبة لأفراد المجموعة الأولى أسمعهم الباحثون الصوت الذي يرتبط بتلك التجربة الجسدية غير السارة، أما أفراد المجموعة الثانية فكان عليهم أن يتخيلوا نفس الصوت، في حين كان على المشاركين في المجموعة الثالثة تخيل أصوات لطيفة مثل تغريد الطيور وصوت هطول الأمطار، ولم يتلق أي من المشاركين أي صدمات كهربائية إضافية.
قدرة دماغ الإنسان على التخيل تتيح له تجاهل الروابط السلبية والتخلص من الخوف المرضي.
تخيل التهديدات باستمرار قد يكون مساعدا
بينما كان المتطوعون يستمعون إلى ذلك الصوت أو يتخيلونه أو يتخيلون سماع صوت لطيف قيّم الباحثون نشاط الدماغ باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي وقياس الاستجابات الفسيولوجية للمشاركين في هذه الدراسة عن طريق وضع أجهزة استشعار على بشرتهم.
واكتشف الباحثون أن نشاط الدماغ كان متشابها جدا عند المشاركين الذين سمعوا ذلك الصوت وأولئك الذين تخيلوا سماعه فقط.
وقد أصبحت كل من القشرة السمعية -وهي المنطقة التي تعالج الصوت في الدماغ- والنواة المتكئة المرتبطة بالخوف المكتسب، وقشرة الفص الجبهي البطنية التي تشير إلى التعرض للمخاطر نشطة.
لكن، بعد أن سمع المشاركون أو تخيلوا سماع الصوت دون تلقي الصدمة الكهربائية المتوقعة توقفوا عن الخوف، وقد فندت هذه العملية العلاقة بين هذا الصوت والتجربة غير السارة، وتعرف هذه الظاهرة باسم “الإخماد”.
أما في المجموعة التي تخيل فيها المشاركون أصواتا لطيفة فقط فقد برزت مناطق أخرى في الدماغ أثناء عمليات التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي، ولم يختفِ الارتباط السلبي بين الصوت الذي وقع سماعه والصدمة الكهربائية أبدا.
وفي هذا السياق، تفسر ريدان أنه “من الناحية الإحصائية لم يكن هناك اختلاف كبير بين التعرض الحقيقي للتهديد وتخيله على مستوى الدماغ بأكمله”.
يمكنك “تحديث” ذكريات سيئة
يقترح الباحثون أيضا أنه بفضل قوة الخيال قد نكون قادرين على “مراجعة” و”تحديث” الذكريات التعيسة أو غير المفيدة.
وفي هذا الصدد، قالت ريدان إنه “في حال كانت لديك ذكرى لم تعد مفيدة بالنسبة لك أو تقف عائقا في طريقك فإنه يمكنك استخدام الخيال للاستفادة منها وتغييرها وإعادة دمجها، مما يسمح بتحديث طريقة تفكيرك وتجربة أمر ما”.
مع ذلك، قد تؤثر مدى حيوية كل واحدة من مخيلاتنا على نتائج مثل هذه التجارب.
ويبين الباحثون أن أولئك الذين يتمتعون بمخيلات حية على نحو خاص قد يستفيدون أكثر من “التلاعب” بالذكريات السيئة، في حين قد لا يلمس من تكون مخيلاتهم أقل نشاطا فرقا كبيرا.
واختتمت الكاتبة ماريا كوهوت بأن هناك حاجة حقيقية للقيام بالمزيد من الأبحاث بشأن قدرات الخيال وفقا لما أكده الباحثون، لكن النتائج الحالية تؤكد على أمر واحد هو أنه لا ينبغي علينا أن نقلل من تأثير ما نتخيله.
المصدر :
مواقع إلكترونية