مساجد الكويت القديمة..من بساطة التصميم إلى منارات إشعاع إيماني وعلمي وتربوي
المسجد بيت الله وأشرف البقاع على ظهر الأرض ومحراب للعبادة ومجلس للذكر ومنارة للعلم وأولى المؤسسات التي انطلق منها شعاع الإيمان والعلم والمعرفة والتربية في الإسلام.
واهتم أهل الكويت منذ مئات السنين ببناء المساجد التي كانت تتميز بجمالها وبساطة تصميمها وكانت تبنى من الطين والصخر وأسقفها من خشب الجندل و(البواري) وهي نوعية من الحصران السميكة تستخدم لتغطية السقف.
وكان المسجد قديما يتكون من (الخلوة) أي مكان الصلاة في الداخل مفروشة بالحصير وفي خارج الخلوة يكون (الليوان) وهو الجزء المسقوف من المسجد.
وجميع مساجد البلاد قديما فيها (برجة) لحفظ ماء المطر الذي ينساب من السطح بواسطة أنابيب معدنية تعرف ب(المرازيم) وفي جزء آخر مكان مخصص للوضوء يسمى (الكرو) أما المآذن فتمتاز بشكلها المربع البسيط وهي قليلة الارتفاع عن سطح المسجد ولا تستخدم في تصميمها الزخارف أو النقوش.
ولم تكن مساجد الكويت القديمة أماكن للصلاة فحسب بل كانت أشبه بالمدرسة العامة إذ تقام فيها حلقات تحفيظ القرآن الكريم والدروس الدينية والعلمية التي تستقطب الناس للاستفادة من تلك الدروس التي تقوم عليها ثلة من العلماء الأجلاء.
وحرص أهل الكويت على بناء المساجد داخل البلاد وخارجها فكان أول مسجد بني في الكويت هو مسجد بن بحر عام 1670 والكائن إلى الجنوب من الموقع السابق لدائرة الجمارك مقابل الفرضة – أي سوق الخضار القديم – في محلة الإبراهيم التي كانت تقع شمال سوق المناخ مقابل قصر السيف طبقا لما ورد في كتاب (تاريخ مساجد الكويت القديمة) لمؤلفه عدنان سالم الرومي.
ووفق الكتاب فإن مؤسس هذا المسجد هو الشيخ إبراهيم بن عبدالله البحر وبني من الطين والحجر وسقفه من الجندل ومر مسجد بن بحر بمراحل متعددة من الترميم والتجديد وتم تجديد بنائه عام 1745 ثم عام 1858.
أما التجديد الثالث لهذا المسجد فكان عام 1956 وفي عام 2000 تولت الأمانة العامة للأوقاف إعادة ترميمه وتوسعته مع المحافظة على الجانب التراثي فيه لأنه من أهم المساجد التراثية في البلاد.
وأشار الكتاب إلى أن ثلة من العلماء والمشايخ الأجلاء تولت إمامة المصلين في هذا المسجد العريق وإقامة حلقات تحفيظ القرآن الكريم والدروس الدينية منهم الملا عبدالمحسن بن عبدالله البحر والشيخ العلامة عبدالله بن محمد بن أحمد النوري والملا محمد عبدالرحمن البحر وللمسجد وقف قديم في منطقة القطيف بالمملكة العربية السعودية حيث أوقف السيد محمد بن غانم قطعة أرض بها نخل عام 1388 هجرية على مسجد بن بحر.
ومن أشهر وأقدم المساجد في الكويت قديما أيضا مسجد العدساني الذي أسس عام 1747 واستطاع أن يحقق مكانة دينية وعلمية بارزة في ذلك الوقت حتى أصبح معروفا ليس فقط في البلاد بل أيضا في المناطق المجاورة كالبصرة والأحساء والقطيف.
وحول ذلك قالت الباحثة عائشة بنت محمد صالح بن عبدالوهاب العدساني في كتابها (مسجد العدساني) الصادر عن مركز البحوث والدراسات الكويتية عام 2015 إن المسجد أسس على يد الشيخ محمد بن عبدالرحمن العدساني وهو ثالث من تولى القضاء في الكويت إذ تولى هذا المنصب منذ عام 1756 حتى عام 1783 بعد أن تنازل القاضي الشيخ أحمد بن عبدالله العبدالجليل “القاضي الثاني للكويت” عن هذا المنصب له لإعجابه بشخصيته.
وأوضحت الباحثة عائشة أن الشيخ محمد العدساني قام ببناء المسجد مقابل منزله في حي الوسط داخل السور الأول يحده من ناحية الغرب بيته وفي الجنوب سوق المناخ القديم وسوق الصاغة القديم.
وذكرت أن المسجد كان في بداية بنائه صغيرا إذ شيدت المئذنة من الطابوق العراقي ولها طابق سفلي متعدد الأضلاع يحمل شرفة بنفس الشكل مصنوعة من الحديد الزهر داخل إطار خشبي ويعلو هذه الشرفة طابق علوي أسطواني الشكل ذو زخارف حلزونية مع قبة مشرشرة تحمل في أعلاها سارية نهائية وتوجد في ساحته ساعة رملية.
وأكدت أن أئمة وخطباء المسجد كانوا من ذرية الشيخ محمد بن عبدالرحمن العدساني مؤسس المسجد وبذلك يكون المسجد الوحيد من مساجد الكويت الذي أئمته من عائلة المؤسس.
وبينت أن مسجد العدساني كان له دور مهم في المجتمع الكويتي إذ كان من المساجد القليلة التي تقام فيها صلاة الجمعة والعيدين وكان إمامه وخطيبه الشيخ خالد بن عبدالله بن محمد العدساني وأيضا كان حاكم الكويت آنذاك الشيخ أحمد الجابر الصباح طيب الله ثراه يصلي صلاة الفجر في المسجد وكذلك صلاة العيدين.
وقالت الباحثة عائشة إن المسجد كان أيضا دارا للتعليم وتدرس فيه الأحاديث النبوية والوعظ الديني للعامة في كل يوم ثلاثاء وجمعة من كل أسبوع وأيضا العلوم الشرعية واللغة العربية قبل ظهور الكتاتيب والمدارس.
وذكرت أن من الأدوار التي قام بها مسجد العدساني بناء غرفة لعابري السبيل يقدم فيها الطعام والشراب والمبيت لهم أيضا إضافة الى دور المسجد آنذاك في توزيع الزكاة إذ كان الشيخ محمد صالح بن عبدالوهاب العدساني يتولى بنفسه في كل رمضان توزيع أموال الزكاة.
ولفتت إلى أن الزكاة كانت توزع بانتظام إذ يكون الدخول إلى المسجد من الباب الشمالي له والخروج من الباب الآخر وهكذا يتم توزيع الزكاة بسهولة على المحتاجين والمستحقين.
وذكرت أن الكثير من المقتدرين من أهل الكويت قاموا بوقف جزء من أملاكهم داخل الكويت وخارجها على المسجد سواء للصرف على القائمين عليه أو تأثيثه أو إضاءته أو لتدريس الطلبة العلوم الشرعية واللغة العربية تقديرا للمسجد ودوره في المجتمع. (كونا)