“كن عيني” مشروع تطوعي لمكفوفي الجزائر
أفراد من فريق “كن عيني” الخاص يقومون بإنتاج مكتبة سمعية للمكفوفين في الجزائر
الحلم يبدأ بفكرة والمشروع يتحقق ويبصر النور بالإرادة والإيمان بالفكرة، بهذه القناعة والإصرار بات حلم منى وأصدقائها الشباب بمساعدة المكفوفين واقعا مجسدا في إحدى زوايا المكتبة المركزية بمحافظة باتنة الجزائرية.
هذه المدينة التي تعرف بعروس وعاصمة حاضرة الأوراس، والتي شهدت جبالها ملاحم بطولية وقصص تحد صنعها أبطالها على مر التاريخ تشهد اليوم كتابة قصص تحد ونجاح أبطالها شباب وضعوا زهرة شبابهم في خدمة فئة هشة ومحرومة من المجتمع، وهي فئة المكفوفين.
ففي إحدى زوايا المكتبة المركزية لهذه المدينة تعكف منى لبعل وثلة من الشباب والشابات على رفع التحدي وكسب الرهان بإرساء أسس مشروع تطوعي يهدف إلى إنشاء أكبر محتوى سمعي متنوع لفائدة فاقدي البصر من خلال تسجيل العديد من الكتب كبرامج صوتية ووضعها تحت تصرفهم.
وبكثير من الشغف وبكثير من الفخر تحدثت منى الطالبة في معهد الإعلام والاتصالللجزيرة نت عن بذور مشروعها الحلم الذي بدأ أول معالمه في التشكل مع أولى خطواتها في مجال العمل الخيري، حيث كانت فئة المكفوفين الفئة التي تقضي معها جل أوقاتها، ومن حاجتهم ومعاناتهم استلهمت الفكرة.
نواد خيرية
فمن خلال عملها التطوعي وبصفتها طالبة في معهد الإعلام تصدت لتسجيل العديد من الإعلانات للنوادي الخيرية، فكانت هذه الخطوة بمثابة حافز للتفكير في استخدام موهبتها الصوتية لفائدة المكفوفين الذين شاركتهم آلامهم وأحلامهم من خلال احتكاكها اليومي بهم فكان مشروع “كن عيني” هو الهدف، حيث عزمت على أن تكون العين التي يبصر بها الضرير.
وقبل شروعها في تجسيد الفكرة قامت منى برفقة مسؤولي مدرسة المكفوفين في مدينتها بتجربة لمعرفة مدى استيعاب الأطفال المحتوى الصوتي، حيث جرى إحضار مجموعة من التلاميذ وعرض على مسامعهم فيديو تعليمي، ومن خلال استماعهم لاحظت تعلقهم البالغ بالصوت، كما ثبت استيعابهم الكبير للمحتوى فكان الدافع الأقوى للشروع في تنفيذ الفكرة وتجسيدها.
وتحصي الجزائر نحو مئتي ألف ضرير حسب أرقام المنظمة الوطنية للمكفوفين الجزائريين، ويواجه هؤلاء عدة تحديات على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتعليمية تصعب أكثر من ظروف معيشتهم اليومية، وتعقد عملية اندماجهم في النسيج الاجتماعي.
منى التي بدأت في تنفيذ المشروع كانت وحيدة قبل أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لكنها اليوم محاطة بأكثر من عشرين شابا وشابة وأكثر من مئتي متطوع، كلهم يعملون على تسجيل الكتب فكانت الحصيلة أكثر من خمسين كتابا رغم حداثة التجربة.
وعن محتوى الكتب المسجلة أكدت أن المبادرة تهتم في مرحلتها الأولى بتسجيل الكتب التعليمية في جميع أطوارها: الإعدادي، والإكمالي، والثانوي، والجامعي، على أن يكون المحتوى متنوعا وثريا وجديدا بين الكتب العلمية والأدبية والتثقيفية.
وكشفت عن عروض تلقتها لاستنساخ ونقل التجربة إلى محافظات أخرى، منها عروض تعاون من جامعة سيدي بلعباس، وعروض تطوع لشباب من العاصمة الجزائر، ومحافظة الوادي في الصحراء الجزائرية.
ولأن المكتبة الوطنية في الجزائر العاصمة(حكومية) هي المكتبة الوحيدة التي توفر لزائريها جناحا سمعيا للمكفوفين، فقد اعتبر رئيس جمعية النبراس الثقافية نبيل غندوسي أن فتح فضاءات في المكتبات الحكومية أو الخاصة خارج عاصمة البلاد خطوة جد مهمة، لأنها تحل جزءا من مشكلة يعاني منها الضرير في الجزائر.
غندوسي الضرير -الذي لم تمنعه إعاقته من ولوج عالم الإبداع بالكلمة، فكان شاعرا ملهما في سجله تجربتان، الأولى ديوان حمل عنوان “قصر في زورق الأمل” (2005)، والثانية موقعة بـ”أبرياء معذبون” (2009)- اعتبر أن هذه المبادرة تمكن الضرير من إثراء معارفه، ومن مواكبة التحولات الحاصلة في محيطه، سواء المحلي أو العالمي من خلال الاطلاع على كتب جديدة تحوي فصولا متنوعة من المعارف.
وبشيء من الحزن وعدم الرضا كشف عن أن هذه الفئة في بلاده -خاصة الطلاب منها- تعاني من معضلة نقص الكتب سواء تلك المطبوعة بتقنية البراي أو المسموعة.
وكشف عن أن الجناح الذي أنشئ قبل نحو 15 عاما من الآن في المكتبة الوطنية بالعاصمة الجزائر يقدم خدماته للمقيمين فيها، لذلك اعتبر أن فتح فضاءات في مكتبات تقع بمحافظات أخرى وتسجيل كتب جديدة أمر في غاية الأهمية، خاصة في المحافظات التي تشهد عددا كبير من المكفوفين الطلاب.
المصدر : الجزيرة