الدكتور إبراهيم الحمود.. روح القانون..بقلم:د.فلاح الهاجري
إن الناظر بعين المتبصر، الذي لا يداري في تشخيص الواقع من خلال تسليط ضوء شمس العدالة البيّنة الساطعة من أفق عوالم أكوان الحقيقة، ليس يضيره أن يواجه بِحار الباطل، وإن هبّت رياحها العاصفة وغيومها الماطرة، مُخِّلِفَةً أمواجاً متطاولة على شاطئ الحق، فإنّ الحق شاهقٌ والباطل يتهاوى فيه.
إنّ ما حدث مع الدكتور إبراهيم الحمود، الخبير الدستوري والرئيس الأسبق لسنين طويلة متعاقبة وغير متعاقبة لجمعية أعضاء هيئة التدريس بجامعة الكويت، بل وعضوها الحالي والسابق لما يزيد على ثلاثين سنة، وذلك عن طريق الانتخاب الأصيل وليس بالتعيين، والمداهنة، والمجاملة، والموادعة. ليدعونا للتأمل في حال البشر في هذا الزمن: هل يعرفون الماضي والحاضر؟! وهل لهم في المستقبل نظرة واعية؟! لا أدري!
إنّني اليوم أتكلم عن قامة علمية قانونية نقابية موسوعية، تعرضت للقدح اللاذع الذي يصل إلى حد القذف والاتهام الباطل لمجرّد سردٍ تاريخيٍ حقيقيٍّ، والعجيب في ذلك أنّ هذه القامة هي أيضاً، زيادة على ما سبق، تنتمي لعالم الأكاديميين، والتي ينبغي أن يكون أساسها الحوار المفتوح واحترام الرأي، والتي تعتبر أساساً للتقدم والتطور.
دائماً ما يحدثني د. إبراهيم الحمود عن تبنيه لمبدأ روح القانون، وهو يسري في طريق فتاويه أنّى ذهب وارتحل في عوالم القانون ومشاربه، فسألته يوماً عن روح القانون: ما هو؟ قال: «إنّ روح القانون كتابٌ لمؤلِّفٍ شهيرٍ يدعى الفيلسوف مُوْنْتِسْكِيُوْ، وأتت منه فلسفة قيام الديموقراطية وقيام البرلمانات، وأمّا مفهوم روح القانون فإنّه يعني: المبادئ العليا والقيم النبيلة والإلهامات التي يتعين أن يحتويها القانون، والقانون لا يمكن أن يصدر من دون أن يحتوي على هذه المفاهيم: كالشرف، والفضيلة، والمصداقية، والديموقراطية، واتخاذ القرار بالمشاورة، وعدم التعسف في استعمال السلطة، وعدم إصدار القوانين التي تضرّ المجموع الأكبر من الناس، والرأفة في قواعد الضريبة والاستقطاعات المالية بألا ترهق كاهل الناس، والدولة عليها في حالات كثيرة أن تتدخل لمساعدة الضعيف من خلال هذه القوانين، هذا هو المقصود بروح القانون».
تعجبت من تلخيصه لهذا المبدأ، ولكنه لم يكتفِ بذلك، بل عقَّب على طريقة بيان المقال بالمثال حيث قال: «إن القاضي الجنائي عنده حدّ أقصى للعقوبة وحدّ أدنى للعقوبة، فيستخدم روح القانون ويطبق أقصى درجات الرأفة مع متهمٍ، وإن كان قد ارتكب الفعل، ولكن الظروف هي التي أدّت إلى ارتكاب ذلك الفعل، أو أنّه كان أسيراً لحالات قهرٍ وحالات ضنكِ العيشِ، فيأخذ القاضي هذه بعين الاعتبار فيطبق روح القانون، لأن القانون الهدف منه الزجر وليس الانتقام.. فإذاً هذه هي المفاهيم الكبرى لروح القانون، فالقانون وُجد لتسهيل الحياة للناس وليس لتعقيد الحياة ولقهر الناس».
عندما نجد تفسيراً كهذا لروح القانون وتبنِّي الحمود له، فإنّنا نشعر بالفخر بهكذا قامة، بل إنّني لا أبالغ إن قلت لكم إنّي رفيقه في العمل النقابي لمدة ثلاث سنواتٍ متعاقبة، وإنّي والله وجدته على ذلك، وأكثر من ذلك، فالقانون على ما فيه من جمود إلا أنّه حمَّال أوجهٍ كثيرةٍ، تدخل الروح التفسيرية فيه بما يحتويه من كُنْه الخير أو الشرّ، فما وجدتُ في روحه لتفسير القانون إلا الخير وحب المساعدة، والتفريج على الناس، وإخراج المتورط من المآزق القانونية بما يرضي الله والضمير الحي.
لقد حُقّ لي أنّ أدعوه بما تبناه، فإنّه: روح القانون وقلبه النابض وصوت العدالة والمثابرة في جميع القضايا الجامعية وغيرها، بل والدولية، وإنّي أتوجه باقتراحٍ إلى الحكومة الكويتية بتجميع الوسائط المرئية والكتابية التي تحتوي على فتاويه القانونية والدستورية كمرجعٍ للقانونيين في العالم العربي وترجمتها لتعمّ الفائدة أرجاء العالم.
إنّ روح القانون د. إبراهيم الحمود تعرّض لهجمة شرسة، بالرغم من تفانيه ومدافعته الشرسة عن حقوق زملائه وتمثيلهم في الوسط الجامعي، وقد كان الأوْلى أن نلقي نظرة عميقة على مسيرته وعطائه لفهم القيم والمبادئ التي يمثلها.
إنّ روح القانون د. إبراهيم الحمود يعدُّ من القلِّة المهتميّن بتمثيل زملائهم والدفاع عن حقوقهم، فهو الساعي لضمان المساواة والعدالة في جميع الجوانب الأكاديمية والإدارية.
إنّ روح القانون د. إبراهيم الحمود يؤمن بأن الاختلاف ينير ويساهم في التطور والرقي، وأنّه ممارسة راقية عندما تظهر تنوعاً فكرياً مستقلاً، والخروج عنها يحيد بالفرد عن ممارسة المهنية وأصل فلسفة الاختلاف.
إنّ روح القانون د. إبراهيم الحمود سيف مبرَّز مستقل، يكسب من يحارب به معاركه، فهو المتمسك بالقيم الأخلاقية والمهنية، وقد عرف عنه مواجهة كل التحديات بروحٍ رياضيةٍ، حيث يتمتع بالصبر والحكمة التي أعجزت من يترصد له.
إنّ روح القانون د. إبراهيم الحمود علم من أعلام الكويت، وإنّي أقترح على الإدارة الجامعية أنّ تضع المدرج الأكبر في كلية الحقوق باسمه هكذا: «روح القانون الدكتور إبراهيم الحمود»، ولا عزاء للمجرِّحين والمعاندين.
في الختام: يجب أن نشكر ونقدر الجهود اللافتة التي بذلها روح القانون الدكتور إبراهيم الحمود في سبيل تمثيل زملائه والدفاع عن حقوقهم، وفي فتاويه خارج أسوار الجامعة الدستورية والقانونية، وأن ندافع عنه ليستمر صوته مسموعاً ومحترماً، لأنه يمثل القيم والمبادئ التي نسعى جميعاً لتحقيقها في مجتمعنا الأكاديمي، والإنساني، والمحلي، والدولي.
د. فلاح محمد فهد الهاجري