هل تحلم بلغة غير لغتك الأم؟ هكذا تساعدنا هذه الأحلام على تعلم اللغات
إذا كنت تتحدث أكثر من لغة، فربما تعرضت لبعض المواقف التي تختلط فيها اللغات في دماغك فلا تعرف بأي لغة يجب أن تتحدث، وقد يحدث أحياناً أن تضبط نفسك وأن تفكر بلغة أخرى غير لغتك الأم، لكن هل سبق أن حلمت بلغة مختلفة؟ نعم، مشاهدة أحلام بلغات غير لغتنا الأم أمر شائع للغاية، لكن ما دلالات هذه الأحلام وهل تفيدنا حقاً في تعلم اللغات؟
استخدام اللغات في الأحلام
أولئك الذين يستخدمون أكثر من لغة في التواصل مع الآخرين، أو حتى أولئك الذين بدؤوا لتوّهم بتعلم لغات جديدة قد يستخدمون هذه اللغات في أحلامهم أيضاً.
إذ لا يستغرب أن نستخدم اللغات التي نتحدثها نهاراً في أحلامنا أيضاً خلال الليل، وقد وجدت دراسة أُجريت على مجموعة من الصم وضعاف السمع، أنهم يتواصلون في الأحلام بلغة الإشارة كما يفعلون أثناء اليقظة.
لكن النظرة الفاحصة للأحلام المتعددة اللغات تكشف لنا عن صورة أكثر تعقيداً لأدمغتنا.
ففي الأحلام لا يقتصر عمل دماغنا على استعادة لقطات لغوية عشوائية من يومنا، وإنما يخلطها بما ينطوي عليه من مخاوف وذكريات ومشكلات وقعت لنا خلال النهار. وقد ينشأ عن ذلك حوارات كاملة بلغة غير مفهومة أو خيالية، أو بلغة تعرَّض لها الحالم في يقظته، لكنه لا يتحدثها.
وأغلب الناس يصنفون لغات أحلامهم تصنيفات معينة، تختلف من شخص لآخر. فعلى سبيل المثال، يتحدث الناس في أحلامهم باللغات التي يتحدثون بها في يومهم، لكن الأحلام حول منزل طفولتهم يجري معظمها بلغة الطفولة. لكن يجب أن ننتبه إلى أن هذه ليست حقائق قطعية، خاصةً أنه لا يوجد سوى عدد قليل من الدراسات ضيقة النطاق بشأن الأحلام المتعددة اللغات.
لدينا كذلك أحلام القلق اللغوي، التي يكافح فيها المتحدث لفهم نفسه بلغة أجنبية، أو يضطر إلى ركوب قطار أو طائرة من منظومة لغوية إلى أخرى، أو البحث عن كلمات معينة في قاموس الأحلام. فقد نقلت دراسة بولندية عن إحدى المشاركات أنها حلمت بكلمة إنجليزية لم تفهمها، فأخذت تبحث عنها لما استيقظت. وحلم مشارك كرواتي بأنه حاول التواصل مع غريب عنه بالإيطالية والألمانية والإنجليزية، ثم أدرك أنه ومحدثه يتكلمان بالبولندية، فضحكا في ارتياح.
يقول الباحثون إنه من المتعذر علينا معرفة الكيفية التي تحدث بها الأحلام ووظيفتها، وبعض أسباب ذلك أن الأحلام عموماً ما تزال ظاهرة يحيط بها غموض كبير. ومع ذلك، فإننا صرنا أحسن إدراكاً بكثير لكيفية معالجة أدمغتنا للأحلام وأسباب قدرتها على ذلك، وعلى تعلُّم كلمات جديدة أثناء النوم.Istock\ استخدام اللغات في الأحلام
طحن الكلمات في أدمغتنا أثناء النوم
لفهم الرابط بين النوم واللغة، سنبدأ بالحديث عن لغة واحدة: هي اللغة التي يتحدثها كل واحد منا. فالمرء قد يظن أنه أتمَّ إتقان لغته الأم منذ أمد طويل، لكن الواقع أنه يُحدِّثها طوال الوقت. وحتى كبار السن ما زالوا يتعلمون كلمة جديدة كل يومين بلغتهم الأم.
وعندما نتعلم كلمة جديدة، فإننا نواصل تحديث معرفتنا بهذه الكلمة حتى يستحكم فهمنا لها، ومع ذلك إذا جاءت كلمة أخرى متشابهة معها، فقد يعترينا الشك في معرفتنا بالكلمة الأولى.
ولكي نُحسن استخدام الكلمات الجديدة، ونميزها عن الكلمات المشابهة، فإننا نحتاج إلى ربطها بمعارفنا الحالية، ولذلك “نحتاج إلى قسط من النوم”. فالتكامل بين المعارف القديمة والحديثة يجري أثناء النوم. ففي أثناء النهار، يمتص “الحصين”، جزء المخ المتخصص في استيعاب المعلومات بسرعة، الكلمات الجديدة، ثم ينقلها أثناء الليل إلى أجزاء أخرى من الدماغ، لتخزينها وربطها بغيرها من المعلومات ذات الصلة. ويساعدنا هذا في اختيار الكلمة الصحيحة في موضعها، واستبعاد الكلمات المشابهة التي تنافسها الحضور في أذهاننا.
توسيم الكلمات في “المعجم العقلي”
يقول الباحثون إن العملية تجري على هذا النحو، سواء كانت الكلمة الجديدة بلغة المتحدث الأولى أم بلغته الثانية. فالكلمات الأجنبية تُخزن لدى متعددي اللغات في مخزونهم العقلي الضخم من الكلمات، ثم تُنطق أو تُترك بحسب الموقف.
تحدث عمليتا الإدخال والدمج خلال مرحلة معينة من النوم، تُعرف بـ”النوم العميق”، أو “نوم الموجة البطيئة”. وتتسم هذه المرحلة ببطء الموجات الدماغية وعلو ترددها. لكن الأحلام المعقدة يحدث أغلبها في مرحلة مختلفة من النوم، تُعرف باسم مرحلة “نوم حركة العين السريعة” (REM).
بعض الخبراء يقولون إن مرحلة نوم حركة العين السريعة تضطلع بدور مهم في عملية دمج الذكريات في الأحلام، وترتيبها، وربما تهذيبها بالتخلص من بعض الأشياء. لكن الثابت أننا صرنا نعرف أن دور دماغنا لا يقتصر على معالجة المعلومات التي نتلقاها في النهار، وإنما يمكنه استيعاب كلمات جديدة أثناء النوم.
شارك ماتيو كوروما، باحث ما بعد الدكتوراه في جامعة لييج البلجيكية والمتخصص في علوم النوم والإدراك، في تأليف العديد من الدراسات التي أضافت تفاصيل كثيرة إلى تصورنا عن تداخل اللغة في أحلامنا وكيفيته ومرحلة النوم التي يحدث فيها هذا التداخل.
قال كورما: “لا شك لدينا في أن الإنسان قادر على تعلم [كلمات بلغات أخرى] أثناء النوم، بل حتى بلغات جديدة لم يسمع بها المرء من قبل، لكنه يفعل ذلك بطريقة تختلف تماماً عما يكون عليه الأمر خلال اليقظة”.
اكتشف كورما وفريقه أننا لا يزال يمكننا ونحن نائمون أن نميز اللغة المزيفة من اللغة الحقيقية. وقد استعانوا لذلك بتجربة كان المشاركون فيها يستمعون وهم نائمون إلى كلام حقيقي بلغتهم الأم في أذن، وكلام مزيف لا معنى له في الأذن الأخرى. وعمد الباحثون خلال ذلك إلى تسجيل نشاطهم الدماغي باستخدام جهاز “التخطيط الكهربائي للدماغ” (EEG). وأظهرت النتائج أن أدمغة المشاركين النائمين ركَّزت على الكلام الحقيقي، وليس المزيف.Istock\ استخدام اللغات في الأحلام
ومع ذلك، فإن المشاركين في التجربة لما وصلوا في نومهم لمرحلة حركة النوم السريعة التي تتزايد فيها الأحلام، مالوا إلى حجب الكلام الوارد أو نبذه. ويشير كوروما إلى أن السبب في ذلك ربما يرجع إلى تركيز الدماغ على العمليات الداخلية خلال هذه المرحلة: “لما ننغمس بعمق في الأحلام، فإننا نحجب الأشياء التي يمكن أن تشوش أحلامنا”.
وقال كوروما: “كلما فحصنا حالة المشاركين خلال (مرحلة حركة النوم السريعة)، التي تشهد نشاطاً مكثفاً للأحلام، لم نجد أدلة قوية على تعلم الدماغ للكلمات”، لكن هذا لا يعني أننا لا يمكننا التعلم خلال المرحلة، وإنما يعني أننا بحاجة إلى مزيد من البحث للإحاطة بالأمر.
تعزيز عملية التعلم خلال النهار
هل يعني كل ذلك أننا نستطيع تعلم اليابانية دون عناء خلال النوم، ما دمنا نحضر درساً فيها طوال الليل ونتحقق من التقاط الكلمات في مرحلة النوم الصحيحة للتعلم؟
وفقاً لما ورد في شبكة BBC البريطانية، ينفي كوروما حدوث ذلك بالضرورة، ويقول إنه قد يأتي بنتائج عكسية في الواقع، لأنه ربما يقلل من راحتك أثناء النوم. وأشار إلى أن المشاركين في الدراسة التي أجروها كان تعلمهم الكلمات أثناء الاستيقاظ أسرع بكثير من تعلمهم أثناء النوم، “فالتعلم أثناء اليقظة أكثر فاعلية بكثير”، وقد استطاع المشاركون استخدام الكلمات بثقة أكبر، لأنهم تعلموها وهم واعون لها.
وقال كوروما: “اليقظة أولى بالتعلم، والنوم أولى باستذكار الكلمات التي تعلمتها، وليس اكتساب لغة جديدة. إنها عملية تفاعلية، يكمل بعضها بعضاً، فأنت تتعلم خلال اليقظة، ثم تُراجع ما تعلمته خلال النوم، وتدمجه في ذكرياتك، وتحاول تركيبه في سياقات جديدة”.
هل هناك طرق أخرى يُمكننا فيها استخدام النوم لتعلم اللغات؟
يقول كوروما: “أحسن طريقة لفعل ذلك هي تعلم كلمات اللغة الجديدة قبل النوم، فتتوارد عليك الكلمات التي تعلمتها للتو في أحلامك أثناء النوم. وهذا يحدث في الغالب إذا تعلمتها بهدوء كاف، فعندها ستعزز هذه الطريقة قدراتك. إما إذا استمعت للكلمات بصوت عالٍ للغاية، فإن ذلك سيقلل قدرتك على التعلم. ولذلك فإن الأمر يحتاج إلى بعض التوازن”.
أما مارك زوست، قائد فريق الأبحاث في مركز طب نفس المسنين التابع للمستشفى الجامعي في برن السويسرية، فيوصي بتعلم الكلمات الجديدة خلال النهار، و”التركيز على نيل حصة كافية من النوم أثناء الليل، والدماغ سيفعل فعله خلال ذلك”.