كتاب أكاديميا

د. عدنان الهذال يكتب: ترشيد استهلاك الماء واجب أخلاقي وشرعي

قال الله تعالى:

﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾

﴿أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (70)﴾

ما أعظم الخالق وما أعظم خلقه, ففي هذه الآيات الكريمة يبين الله -سبحانه وتعالى- عظمة نعمة الماء العذب الذي جعله سبباً للحياة على سطح الأرض, كذلك في هذه الآيات الكريمة يأمر الله -عز وجل- عباده بشكر نعمة الماء العذب الذي لو شاء سبحانه لجعله ماءً مالحاً لا يمكن الانتفاع به!

لقد كانت دولة الكويت في الفترة من 1925 إلى 1950 تعتمد على شط العرب في حصولها على الماء العذب، حتى أنعم الله علينا ببناء أول محطة تحلية مياه بإشراف شركة نفط الكويت في بداية الخمسينيات وكانت هذه المحطة تعمل بتقنية التقطير ( أي عملية التبخير والتكثيف) حيث بلغ إنتاج الماء العذب حينها  450 ألف لتر يومياً، وبفضل الله -سبحانه وتعالى-  يبلغ حالياً إنتاج دولة الكويت من الماء العذب أكثر من 730 مليون متر مكعب سنوياً!

إنّ محطات تحلية المياه في دولة الكويت تستخدم تقنية التقطير الوميضي متعدد المراحلMultistage Flash Distillation  وتقنية التناضح العكسيReverse Osmosis  وتوفر حوالي ما نسبته 92% من المياه العذبة اللازمة للاحتياجات السكنية والصناعية وأكثر من 60% من إجمالي إمدادات المياه, لكن للأسف لا زالت دولة الكويت تسجل أعلى معدل استهلاك للمياه عالمياً حيث يبلغ استهلاك الفرد أكثر من 450 لتر يومياً (وفقاً لآخر دراسة في 2018) في حين أنّ معدل الاستهلاك العالمي يتراوح يومياً بين 100 إلى 200 لتر, فهل يمكن لنا استيعاب وتخيُّل هذا الرقم!؟ هذا الرقم يبين لنا أنّ الاستهلاك اليومي للفرد يعادل 450 قنينة مياه معدنية من حجم اللتر ..!

إنّ استهلاك الماء العذب في دولة الكويت يتغير ويتباين موسمياً, فأعلى معدل استهلاك يكون في أشهر ارتفاع درجة الحرارة من يونيو إلى سبتمبر وبزيادة ما نسبته 20% من معدل الاستهلاك السنوي!

وبالاستعراض التاريخي لاستهلاك المياه في دولة الكويت, نجد بأنّ معدل استهلاك المياه العذبة ارتفع ارتفاعاً مضطرداً ، فخلال 10 سنوات منذ 1970 إلى 1980 ارتفع معدل استهلاك المياه العذبة من 30 إلى أكثر من 100 مليون متر مكعب, حتى بلغ الاستهلاك أكثر من 380 مليون متر مكعب  في عام 1999 ثم إلى أكثر من 730 مليون متر مكعب في عام 2019!

وأعتقد شخصياً بأنّ لحملة ترشيد استهلاك المياه في دولة الكويت والتي انطلقت في عام 2007 الأثر الكبير في ترشيد الاستهلاك, فقد استطاعت هذه الحملة تحت اشراف وادارة وزارة الكهرباء والماء توزيع مليون أداة ترشيد على 50 ألف وحدة سكنية بالإضافة إلى الوزارات والهيئات الحكومية, ومن خلال هذه الخطة استطاعت الوزارة توفير أكثر من 70 مليون متر مكعب في اليوم أي ما يعادل أكثر من 14 مليون دينار كويتي سنوياً, لكن جهود  هذه الحملة توقفت من دون أسباب واضحة ومقنعة, لذلك شهدنا ارتفاعاً ملحوظاً في الاستهلاك تجاوز الإنتاج السنوي، ففي عام 2019 كان إجمالي الإنتاج السنوي من الماء العذب يبلغ 729 مليون متر مكعب في حين أنّ الاستهلاك بلغ أكثر من 730 مليون متر مكعب سنوياً!

وعلى ما سبق ذكره, يجب على كل ذي عقل التفكير ملياً عند استخدام واستهلاك المياه العذبة واستشعار أنّها نعمة عظيمة تستوجب الشكر ، والمحافظة عليها هو واجب شرعي وأخلاقي واستخدامها الاستخدام الأمثل ضرورة للإستدامة، وعلينا كذلك إدراك أنّ الله -سبحانه وتعالى- لا يحب المسرفين فلقد قال الله تعالى في كتابه العزيز ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ و بالتأكيد أنّ الإسراف في الماء يدخل ضمن الإسراف الذي لا يحبه الله -سبحانه وتعالى- كما أنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان يتضوء بالمُد أي ما يُعادل ( 0.5 لتر) ويغتسل بالصاع أي ما يُعادل (2.5 لتر)، فأين نحن من الاقتداء بسنة الحبيب النبي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم, والتي بلا شك أنّ بعض دول العالم المتقدمة سواء في شرقه أو في غربه تتبعها من واقع الالتزام الاقتصادي والأخلاقي والقيمي ونحن أولى بهذا الالتزام لمعرفتنا بأخلاق النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم.

ومع كل ذلك يقع على عاتق وزارة الكهرباء والماء والحكومة ومجلس الأمة جزء من هذا الخلل لأنهم الجهات المناط بها وضع التشريعات وسن القوانين ورسم الخطط المناسبة لتنفيذ وتحقيق الترشيد وإيقاف هذا الاسراف الغير مبرر, كذلك يقع على عاتق كل مواطن ومقيم نشر ثقافة الترشيد بين الأبناء والأهل والأصحاب لنكون بذلك أفراداً فاعلين ومبادرين ومؤثرين في بناء مجتمع ناجح ومثالي!

د. عدنان عويد الهذال

كلية الدراسات التكنولوجية

قسم تكنولوجيا الهندسة الكيميائية

رائد الجمعية الطلابية لتكنولوجية الهندسة الكيميائية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock