كتاب أكاديميا

يوسف عوض العازمي يكتب: أحمد الربعي وأيام ثورة ظفار !

” ليس هناك عالم تعيس، هناك بشر اختاروا التعاسة “

( د. أحمد الربعي )

في التاريخ السياسي هناك شخصيات تاريخية لعبت أدوارا” مؤثرة أثناء عدة أحداث ، و إرتبطت تلك الشخصيات بعدد من الأحداث ، ثم نجد نفس الشخصيات تتناقض نهايتها مع بداية نشوءها السياسي ، حيث تتغير الظروف للأشخاص أنفسهم أو بالأحداث أيضا” زمنيا” و ظرفيا” ، و ترى تبدل القناعات ، و التحول لفكر مختلف ( أحيانا” يكون الإختلاف من النقيض إلى النقيض ! ) بالطبع هنا أتحدث عن السياسيين الاحرار التي تتبدل افكاركم و القناعات وفقا” لمواقف مختلفة أثرت على الفكر ، و لا احدثك عن سياسيين فاسدين فهؤلاء لا علاقة للمقال بهم ..

أرتبط أسم السياسي الكويتي ” أحمد عبدالله الربعي “( نائب برلمان و وزير سابق ) بعدة أحداث مهمة خارج و داخل الكويت ، حيث داخليا” بالأحداث بعد واقعة تزوير إنتخابات 1967 م ، و خارجيا” أرتبط أسمه بأحداث ثورة ظفار في عمان بستينيات القرن الماضي ، و كان أيضا” ضمن الفصائل الفلسطينية جنوب لبنان ، و ماتلى ذلك من امور ، و بعدها قصة العفو العام ، واستكماله للدراسة الأكاديمية إلى أن وصل أن يكون أستاذ الفلسفة بكلية الآداب بجامعة الكويت ، و بعدها دخوله غمار الإنتخابات البرلمانية ، و بعدها نائبا” في مجلس الامة ، و بعد تحرير الكويت أصبح وزيرا” للتربية و التعليم العالي !

أي انك أمام تاريخ حافل ، و مغامرات و تقلبات و مشاوير و سجن و فشل و نجاح و طموح و جموح و إمتزاج الأول بالتالي ، و الآخر بالمختلف ، و المتشدد فكريا” بالمتحرر المتأثر بالفلسفات ، تصور بعد ذلك كله نجد الربعي مثقفا” هادئا” يكتب مقالات توعوية للشعب مغلفة و يدرس الأجيال بجامعة الكويت الفلسفة و مآلات الفلاسفة ، و سبحان الذي يغير و لايتغير !

في عام 1992م ( قبل ان يصبح وزيرا” بأشهر )و في احد المساءات جلست معه و أثناء الحديث الصريح سألته : أبو قتيبة صحيح كنت في عمان و سجنت هناك ؟
رد علي بإبتسامة : إي والله صحيح و كانت قصص لاتنسى ، من ثورة و سجن و ثم عودة للكويت ، ثم تحدث بتلقائية و عفوية عن عدة أمور خلال تلك الظروف ، فهمت منها أنه أنخرط في احداث أثرت على الكثير في ذاك الوقت ، يقوده الحس القومي و محاربة الإستعمار و غير ذلك من شعارات ذاك الوقت ..

فهمت منه رحمه الله في تلك الجلسة التي تجاوزت الساعتين تقريبا” أمور عجيبة عن عمان التي كانت ترزح تحت ظروف غريبة و كأنها في القرون الوسطى ( حسب قوله ) ، كان من ضمن المحاربين في جبهة تحرير ظفار و الخليج العربي ، و بعد كل هذه السنوات يقول بقناعة و هدوء بأنه يحمد الله أن الثورة لم تنجح !

لماذا يا أحمد ؟
لأننا لو نجحت الثورة لربما لن ننجح في العمل على إستقرار البلاد ، بعكس السلطة التي يقودها قابوس الذي نجح في تحقيق إستقرار سياسي و قبل ذلك بسط الأمن و الأمان ، و من الملفت أنه يقول ان عددا” من الثوار أصبحوا وزراء و قياديين فيما بعد تحت حكم قابوس !
سألته : هذه إذن خيانة للثورة يادكتور؟
قال : لا يايوسف بل أنها الواقعية !

و في الحقيقة كان الربعي محبوسا” لعدة أشهر ، كان اليوم بها كالسنة من قسوة السجن الذي كان به ، و هو سجن الجلالي الذي يحيط به البحر من ثلاث جهات ، و لايوجد به أحدا” يتحدث العربية ، و يربط السجين بهذا السجن بسلاسل حديدية ثقيلة ينقلها معه أينما ذهب داخل السجن الرهيب ، حتى أن الحمام ( أعزكم الله ) كان مسموحا” به للسجناء كل ثلاثة أيام ، و لك ان تتخيل الحال !

و مرت بعدها الأيام ، و لم نعد نلتقي إلا على بمناسبات أو سريعا”، و كنت أقرأ له في القبس و في الشرق الأوسط ، و كانت كتاباته تعبر عن أحمد الربعي مابعد السبعينيات ، الربعي مابعد هارفارد ، كان هادئا” و محاربا” بالحجج المنطقية ، و كان مشهورا” بفصاحته و منطقياته التي بالتأكيد أستفادها من الفلسفة !

مما يحسب للسلطان الراحل قابوس بن سعيد أنه ذو نظرة ثاقبة و بعيدة ، حيث أن المرحلة الإنتقالية بعد القضاء على ثورة ظفار ، و من ثم قرار العفو العام ، كان يحمل توجه محمود لتوحيد شمل العمانيين تحت راية الدولة ، لذلك كان من الملاحظ أن عددا” من الثوار أصبحوا وزراء في السلطة ، و هذا دليل على عدم وجود عقلية الإنتقام كما قال الربعي في أحد اللقاءات و بأن قابوس لم يتعامل بمبدأ الكره أو الكراهية ، لكنه تعامل بشيمة الحاكم و عفو القائد ، مما أسفر عن الدولة العمانية المستقرة طوال فترات حكمه رحمه الله .

و الآن ذهب الربعي و ذهب الكثير من رفاقه ثوار ظفار إلى رحمه الله مثلما لحقهم السلطان قابوس ، و هذه طبيعة الحياة لا دائم إلا وجه الله ، و بقيت عمان و بقيت الذكريات ، و رحم الله الجميع و أنار الله الطريق لجلالة السلطان هيثم بن طارق حفظه الله و كذلك أخوانه حكام دول مجلس التعاون الخليجي حفظهم الله، و حفظ بلداننا من كل شر ..

يوسف عوض العازمي
alzmi1969@

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock