كتاب أكاديميا

محمد بن خواش يكتب: مَن مِنّا يَسيرُ بِرَفيقه

        “كم عمرك؟” يجيب أبي: “أربعة وثلاثين”
وكأني بأبي وهو يجيب على هذا السؤال البارحة، يفزعني أني اليوم أكبر من عمر أبي حينما أجاب على السؤال، أطال الله في عمره على طاعة. لقد أدركني ذلك العمر الذي كنت أعتقد حينئذ أنه بعيد جداً. مر العمر كومضات، طفولة، مشاكل أسرية، معاناة، دراسة، عمل، تخبط، جنون، فشل، نجاح، إرادة، أحلام…
    بدأت في دراستي الجامعية بطموحات كبيرة، كنت حينها أقرأ بنهم كل الكتب خصوصاً تلك التي تحدثني عن تحقيق الأحلام وعن الحياة وكيفية التعامل معها، فرسمت خطة لحياتي بناءً على ما قرأته من كتب وكنت واثقاً من نجاحي في المستقبل.
    لكن مع الآسف ما فتأت الحياة تصدمني وتدفعني في صدري و وجهي، حتى يأست من طموحاتي التي كنت واثقاً من أنني سأحققها، فأفقت من ذهولي، وأخذت أنظر في حالي وفي الدنيا، فتساءلت: كيف حدث ذلك؟ لقد كنت أمشي واثق الخطى وأنا أشقُّ طريقي في الحياة، ولم أشك ولو للحظة بمدى درايتي و معرفتي بطريقي و بطبيعته، وبأنني حتماً سأنال ما أتمناه، فمن أين جاءتني كل تلك الحفر؟! وما الذي حدث لي حتى رحت أتعثر وأسقط لتتلقفني الصخور؟!
    وأردت أن أسترجع من ذاكرتي ما أمدّتني به تلك الكتب من خطط وتحفيز، وأن أبسط تحت عينيَّ الخطط التي رسمتها لنفسي بمعونة تلك الكتب، فإذا الذي في عقلي من تلك الكتب كالضباب، وإذا بخططي لحياتي مختلطة ومتشابكة الطرق والمسالك. وإذا بقراءتي للكتب لم تسعفني في تجاربي الشخصية في الحياة، وأدركت أني واهماً حين اعتقدت أني كنت قد فهمت الحياة من خلال الكتب فقط، وها أنا ذا على مشارف الأربعين، ما زلت في فهمي لهذه الحياة طفلاً يضع في فمه جمرة يحسبها تمرة .
     أمّا الآن فأنا أتعلم وأحاول أن أفهم الحياة من جديد، مسابقاً الزمن لتحقيق مايمكن تحقيقه من بقايا أحلامي، وأجاهد لتنشئة ابني معي، فكلانا طفل صغير يجرب ويتعلّم، ولكن الفرق الذي بيننا، أن الحياة قد سحقت جزءاً جميل من عمري، بينما ابني عقله ونفسه صافية لم تكدرهما ظروف الحياة .
أسير في هذه الحياة مع ابني ويده في يدي، والعجيب بأنّي لا أعلم من منّا يسير برفيقه !!
محمد بن خواش

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock