كتاب أكاديميا

محمد بن خواش يكتب: الكوريَّات مرابع الصِّبا وحنين الذكريات


   ذات ليلة داهمني الشوق والحنين للبيت الذي قضيت فيه طفولتي، ولطريق مدرستي، ولذكريات طفولتي، و (لنفسي)، فنهضت من فراشي وركبت سيارتي عائداً لمرابع الصِّبا، منطقة الواحة أو كما نسميها (الكوريَّات) نسبةً للكوريين الذين بنوها، فوجدت الأماكن تنتظرني محتفظةً بكل شيء.


 كانت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل وكان السكون يخيم على الشوارع، توقفت أمام مدرستي القديمة قليلاً ثم ذهبت إلى البيت الذي قضيت فيه سنوات الطفولة، فوقفت أمامه وتحسست جدرانه، تذكرت نفسي، وتذكرت أحبابي الذين رحلوا إلى بارئهم (ثمَّ انقضتْ تلك السنونُ وأهلُها**فكأنَّها وكأنَّهُمْ أحلامُ)، طاف بي الحنين في تلك الطُرقات وانتابتني غصة كادت تقطع أنفاسي.


  كم أحنّ إلى أيام طفولتي، وكم أحن لذلك الزمان، زمن الأحلام، ذلك الزمن الذي أبحث عنه وأنا أعلم يقيناً بأنه مضى وانقضى ولن يعود، كم أشتاق لتلك الحياة المسالمة البسيطة.


  لم أعد ذلك الطفل ذا الوجه البريء ولم أعد ألعب وألهو وأضحك كما كنت، فقد رحل عني ذلك الزمن الجميل آخذاً معه طفولتي وأحلامي وبعضاً من ذكرياتي، وتركني وراءه أبحث عنه في ذاكرتي. لقد كبرت وشاب رأسي وشابت لحيتي وتغيرت ملامحي، وبتّ أصارع الحياة وتصارعني، كما أن واقعنا الحالي الذي نعيشه لايمت لماضينا بصلة وكأن بيننا وبينه أعواماً عديدة وأزمنةً مديدة، نعيش فيه كالغرباء، فالجيل تغير وملامح المكان والزمان تغيرت وحتى ملامح الناس وشخوصهم تغيرت، أصبحنا نعيش في زمن مادي يقاس الرجال فيه بمناصبهم التي يتبوؤنها ومقدار النقود التي يملكونها. لقد باعدت ظروف وواقع الحياة العصرية الحالية بين قلوب الناس قبل بيوتها.


ركبت سيارتي وعدتُ قافلاً أردّد أبياتاً أحفظها،

لشاعرٍ يدعى عبدالله الخربوش


وَلَكَم وَدَدتُ بِأَن أَعُودَ مُجَدَّدَاً

طِفلَاً يُقَلِّبُ لُعبَةً بِيَدَيهِ


مُتَبَسِّمَاً كَالبَدرِ يَسطَعُ وَجهُهُ

وَتَحِنُّ أَفئِدَةُ الأَنَامِ عَلَيهِ


أُوَّاهُ يَا زَمَنَ الطُّفُولًةِ، لَيتَنِي

قَد كُنتُ أَقدِرُ أَن أَعُودَ إِلَيهِ


  ثم عدت لبيتي بعد أن أنهكني التعب من تدفق كل تلك الذكريات وانهمال تلك العبرات والإرهاق قد غلب كل تفاصيلي، فاضطعجت بجانب ابني وضممته على صدري بالقرب من قلبي حتى سكنت روحي واطمأنت نفسي.


عصرٌ تَصَرَّم فماذا بَعدُ يا عمري؟


محمد بن خواش

[email protected]


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock