أخبار منوعة

ما الذي تكشفه رسومات طفلك عن مشاعره وشخصيته؟

 

ما إن يبدأ الطفل في الإمساك بالورقة والقلم والألوان، حتى تنفتح أمام الوالدين أداة رائعة لفهم جوانب جديدة في شخصيـته، ومع الوقت يصبح فهم هذه الرسوم أيسر. في بدايات القرن العشرين كان العلماء يرون أن الرسوم الجميلة للطفل القريبة من الواقع هي الرسوم الناجحة، وأن هذا يعني نمو قدرات الطفل، بينما يعني ابتعاد رسوم الطفل عن الواقع عدم القدرة على فهمه جيدًا، وبالتالي يصوّره تصويرًا خاطئًا.

لكن العلماء حاليًا يرون في هذه الرسوم جوانب أخرى تكشف عن شخصيته، فما الذي تقدمه لنا هذه الرسوم بحيث تزيد قدرتنا على دعم الطفل وفهمه؟

لا يحاول الطفل في كل رسومه تصوير الواقع، إنه أحيانًا يصوّر شخصًا ما تصويرًا مختلفًا في رسمه؛ لأنه يحبّ أن يبدو هكذا، وربما يرسم ضفدعًا مثلًا بصورة مختلفة لمجرد أنه يريد أن يرسم عددًا كبيرًا من الضفادع في الصفحة، وليس لديه مزيد من الوقت.

ما تكشفه الرسوم

الرسم طريقة جيّدة للتعبير عن التوتر، والبحث عن الراحة في الأوقات الصعبة. وقد تقدّم الرسوم مفاتيح أمام المعالجين للطفل أيضًا، فهي إحدى الوسائل التي يتواصل بها الطفل معنا إلى جانب التواصل اللفظي، وقد نجح الأطباء في علاج مشاكل مثل التبول في الفراش، ومصّ الإصبع من خلال العلاج بالفن.

يقول ميكال فيمر، وهو طبيب وخبير دولي في تحليل رسومات الأطفال: إن الآباء والمعلمين والمتخصصين في الصحة العقلية يسعون لتحليل رسوم الأطفال بغرض تحديد المخاوف والاضطرابات، أو إحداث تغيير سلوكي مهم. فالرسوم تعتبر أداة إضافية متاحة بسهولة لفهم السلوك اليومي.

أشارت دراسة حديثة إلى أن تحليل رسوم الطفل قد يكشف الخلل الأسري الذي يعانيه، ففي الأسر التي تعاني من الفوضى، رسم الأطفال أنفسهم أصغر حجمًا بكثير وأبعد من الآخرين، وهو ما يشير إلى شعور الطفل المتدني بذاته، كما حلّلت الدراسة المسافة بين الأم والأب بوصفها أحد الشواهد على شعور الطفل بالاستقرار الأسري، وقيّمت الدراسة رسوم أطفال في عمر السادسة، إذ إنه العمر الذي يصبح لرسومهم معنى فيه.

تقول سارة تاريس، وهي أخصائية نفسية: إن رسوم الأطفال تكشف جزءًا من طريقتهم في التفكير، وتحمل الكثير من مشاعرهم ومخاوفهم، ويؤكد كارلوس باجويلو المتخصص في علم النفس، أن الطفل يعلمنا بشخصيته بشكل رئيسي من خلال سلوكه، لكن الرسم مؤشّر آخر يمكن أن يقدّم لنا أدلّةً بالإضافة إلى ذلك على الكثير من مكنونات الطفل.

وتؤكد الدراسة مع ذلك أن الطفل في السنوات الأولى، قد يُغرم بلون معين لعدة أيام، فيملأ منه لوحته، لكن هذا لا يكون مؤشرًا لشيء ما، كما أن الطفل لا يعنى في هذا العمر أن يعبّر في رسومه عن الواقع، ولا يهتم بالتناسق بين الألوان، إنه فقط يشاهد التضاد بين الورقة البيضاء والألوان الأخرى، وبين الخامسة والسادسة من عمر الطفل يكون لرسوم الطفل معنى ومؤشر حول شعوره، على أن ملاحظة ذلك يجب أن تقترن بملاحظة سلوكه.

كيف تفهم رسومات طفلك؟ ثلاث مراحل تشرح لك

يمكن تمييز ثلاث مراحل لقدرات الطفل على الرسم: الأولى هي مرحلة «الشخبطة» التي لا يتجاوز فيها رسم الطفل الخطوط التي لا يمكن فهمها، أما المرحلة الثانية فيبدأ فيها الطفل رسم عدة عناصر حوله، مثل الشجرة أو المنزل أو الوجود، وغالبًا ما تكون غير متقنة وبعيدة عن الواقع، لكنه يضيف عناصر معينة أقرب إليه مثل الزهور أو قطعة معينة من الملابس. أمّا المرحلة الثالثة فتبدأ حين يكون رسم الطفل أقرب إلى الواقع، ويمكن بسهولة فهم عناصره، ويستخدم الرموز والكلمات، وقد تروي رسومه قصةً كاملةً.

هناك بعض العناصر التي يتفق الباحثون على دلالتها لدى أغلب الأطفال، ومنها المكان الذي يختار الطفل شغله من الصفحة؛ إذ يكون له دلالة أيضًا، فحين يرسم الطفل في الجانب الأيسر من الصفحة، فهذا يشير إلى انشغاله بالماضي واحتياجه للرعاية، بينما يعني اختياره للجانب الأيمن تطلعه إلى المستقبل واحتياجه للتواصل، ويعني اختياره للجزء السفلي من الصفحة افتقاده للأمان.

وهناك عدد من الاختبارات التي يتم إجراؤها من خلال الرسوم، وتكشف عن مشكلات الطفل، مثل اختبار HTP (House-Tree-Person) الذي يُطلب فيه من الطفل أن يرسم شجرةً وشخصًا ومنزلًا، ويتضح أن الشجرة تعبّر عن إقبال الطفل على الحياة ومدى سعادته، ويقربنا المنزل من شخصية الطفل.

في كتابه «تعلّم كيف تفهم طفلًا» يقول فرناندو ألبيركا: إن أولى الرسوم التي يعبّر بها الطفل عن ذاته هي رسم الشجرة، وفي اعتنائه بتفاصيل معينة فيها يبدو ما بداخله، فطول الشجرة يمثل عمر الطفل، واعتنائه برسم الجذور ينمّ عن فخره بأجداده، كما تكشف أجزاؤها عن تصور الطفل لحياته وكيف يراه الآخرون.

يقول الطبيب النفسي كريستوفر هاستينغز: إن المطر والغيوم يشيران إلى شعور الطفل بالقلق، وإن رسم الطفل الوحوش يكون أحيانًا آلية يتأقلم من خلالها على شعوره بالعجز، رغم أنه يكون أحيانًا مجرد تأثر بالقصص الكثيرة التي نرويها للأطفال، ويكون أبطالها من الوحوش.

أن يرسم الطفل حفرة في الأرض فهذا إشارة إلى فقده لأحد المقربين، أو لحيوانه الأليف، وقد يعني شعوره بالوحدة الشديدة.

حين يرسم الطفل بيتًا فهناك تفاصيل مثيرة يمكن ملاحظتها واستنباط مشاعره منها، فعدد النوافذ يشير إلى رغبته في أن يعرف الآخرون ما يحدث بالداخل، وإبقاء باب المنزل مفتوحًا يشير إلى ترحيبه بالآخرين، وإلى حياة اجتماعية صحية لدى الطفل.

كيف يعبّر عن الدفء في أسرته؟

رسم أفراد أسرته أحد الاختبارات الأخرى التي تكشف الكثير من صراعاته الداخلية، مثل إحساسه بالأمان أو الغيرة أو الحاجة إلى الحماية، لكنها تؤكد أن كل ذلك يجب ألا ينفصل عن شخصية الطفل نفسه ووضع سنّه في الاعتبار.

حين يرسم الطفل أفراد أسرته يكون للترتيب معنى، وغالبًا يرسم الطفل أكثر الأفراد قربًا منه في الواقع، حين تكون الشخصيات التي يرسمها الطفل قصيرة أو دون الأنف أو الفم، والأذرع قريبة من الجسم؛ فهو طفل خجول.

مصدر الصورة: newkidscenter

الرسوم الغريبة لأطفالنا التي يبدو فيها رأس أحدهم كبيرًا جدًا، أو التي تصوّر آخر صغيرًا جدًا ليست رسومًا غريبة، وليس الأمر أن الطفل لم يتقن الرسم بعد، فرسومه التي تبدو لنا بعيدة عن الواقع تحمل اعتقاداته عن البيئة المحيطة به، وقد يعني رسمه الغريب عدم فهمه للحقيقة من حوله.

الشخصيات التي يرسمها الشخص أكبر من حجمها قد تكون الأكثر هيمنة في رأيه، أو الأكثر أهمية بالنسبة له، كما أنه حين يرسم اليد أكبر من الجسم، فهذا يعني أنه يرى الشخصية عدوانية، وحين يرسم الطفل قدمه صغيرة جدًا فهذا يشير إلى انعدام شعوره بالأمان.

حين يرسم الأطفال أشخاصًا غاضبين، وخاصة إذا كانوا من أفراد أسرته، فهذا يعني تعرّض الطفل لصدمة عاطفية، وقد يعني تعرضه لمواد ما عبر وسائل الإعلام أو الإنترنت.

هل للألوان التي يستخدمها تفسيرات نفسية؟

لاستخدام الألوان معنى أيضًا، فكلّما أدخل ألوانًا أكثر إلى لوحته كان هذا دليلًا على استمتاعه وشغفه بالحياة، وحين يشغل لون بعينه مساحة أكبر في رسم الطفل يعبر هذا عن مشاعره؛ كما يرى علماء النفس فإن استخدام اللون الأخضر والأزرق يعني أن الطفل سعيد ومتّزن. وتعني الألوان الدافئة مثل الأصفر والبرتقالي شعور الطفل بالبهجة، أما استخدامه للألوان الداكنة بكثرة فيعني شعوره بحزن داخلي واحتياجه للمساعدة.

حين يتوقف الطفل عن استكمال عمله الفني في انتظار التشجيع من الآخرين، فهذا يشير إلى التردد وعدم شعوره بالأمان، ويكون مؤشرًا أحيانًا على شخصيته المندفعة، وحين يتكرر الأمر ينصح الخبراء بتدخل الوالدين لدعم الطفل.

كما يشير استخدام الطفل كثيرًا للمحاة وإدخاله التعديلات إلى شعوره بالقلق، وتعني كثرة الزخارف في رسومه إلى احتياجه للاهتمام.

وتدل قدرة الطفل على إدراج الكثير من التفاصيل في رسومه، مثل نظارة الأب أو شامة لدى الأم على دقة الملاحظة لديه، وإدراكه الجيد للواقع من حوله، وقدرته على إدراك الاختلافات.

متى يجب أن تقلقنا رسوم الطفل؟

أحيانًا تنبهنا بعض الرسوم إلى ضرورة استشارة متخصص حين يرسم الطفل صورًا عنيفة بشكل متكرر، أو حين يرسم شخصًا أو كائنًا أكبر بكثير منه، أو حين يرسم أجزاء من الشخصيات منفصلة عن أجسامها، أو حين يستخدم الألوان الداكنة كثيرًا ويرسم صورًا حزينة.

وتشير سارة تاريس، وهي أخصائية نفسية، إلى أن رسوم الطفل قد تكشف بعض المشكلات المعرفية لديه، حين تتكرر أخطاؤه فيرسم أشكالًا مقلوبة مثلًا، أو تخالف حقيقتها، أو يستخدم الممحاة استخدامًا مبالغًا فيه، وحين تفتقد رسومه للكثير من التفاصيل، ويبقى من الضروري أن نسأل الطفل عن معنى ما يرسمه، وألا نعتمد على تفسيرنا فقط.

قد لا تحمل معنى كبيرًا دائمًا

قد لا تعني رسوم الطفل أكثر من محاولته لشغل فراغه، وملء الصفحة البيضاء، وبعض التفسيرات لا تناسب كل الأطفال. فبينما تشير الأيدي الكبيرة لأحد الوالدين إلى احتمال تعرض الطفل للعنف، يحكي كارلوس أن أحد الأطفال رسم والده بيد ضخمة لكنه حين سأله أخبره الطفل إنها ليست يده، وإنها أظافره وقد رسمها طويلة هكذا لأنها تبدو هكذا في الحقيقة لأن والده يعزف على الجيتار.

أحيانًا لا يكون هناك داعٍ لكثير من التفسير والتوقف أمام تفاصيل رسم الطفل، فرسوم الأطفال يحكمها منطق الأطفال أيضًا، وليس ومنطقنا نحن الكبار، غير أن تأمل بعض العناصر قد يشير إلى أمور نحتاج لوضعها في الاعتبار. هناك خطوط عامة يمكن الاسترشاد بها، ويبقى دائمًا أن نضع في اعتبارنا أن الرسم قد لا يحمل كل هذه المعاني والتفسيرات، وأول المفاتيح لفهمها هو أن نسأل الطفل عنها. فإن رسوم الطفل مدخل جيد لفتح حوار شيق مع الأطفال أيضًا، ومعرفة ما بداخلهم من خلالهم مباشرة.

 

المصدر: ساسة بوست

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock