كتاب أكاديميا

د.سلوى الجسار تكتب: إصلاح التعليم المدرسي .. الثورة الصامتة

 

 

 

 

 

 

نتابع بحذر وتخوف ما يحدث يوميا في مدارسنا من بعض الممارسات التي خرجت عن الأساليب المهنية والانسانية، فهناك التعدي على الطلبة وإلحاقهم بضرر نفسي أو جسدي، أو التعدي على المعلم وإهانته لفظيا أو غير لفظي أو التعدي على الإدارة المدرسية.

للأسف عندما تصبح المدرسة تصدر العنف بكل اشكاله إلى المجتمع، عندما تصبح المدرسة ليس مكانا للتعليم من أجل الحياة الهادفة ومن أجل اعداد المواطنة الصالحة هنا يجب ان نتوقف ونتجرد لنتكاشف بشفافية وموضوعية، ماذا يحدث في مدارسنا هل هذا وضع طبيعي أم نحن أمام حالة خاصة تحتاج إلى تدخل مباشر وسريع؟

ما تعرض له احد الطلبة مؤخرا في احدى مدارس منطقة العاصمة قد يكون هناك الكثير من هذه الحالات لكن الخوف من المساءلة قد يتم التعامل معها بشكل أو بآخر، ما يتعرض له المعلمون من اهانات من المسؤولين أو أولياء الأمور، أو عندما يهان أولياء الأمور بسبب خوفهم على ابنائهم، عندما لا يمارس مدير المدرسة مسؤولياته المهنية بأمانة، فالسؤال الذي نطرحه: لماذا تتكرر مثل هذه الحوادث، من المسؤول؟ ما دور المجتمع والأسرة والقيادات التربوية والتعليمية المسؤولة عن إدارة المؤسسات المدرسية؟

الكثير من الدراسات والتقارير التربوية تؤكد ان المدرسة اليوم اختلف دورها عن السابق فهي تمارس فقط تعليم المعرفة من خلال التلقين والحفظ، مما انعكس على دور الكثير من المعلمين في العملية التدريسية والذين أصبح اهتمامهم فقط هو شرح الدرس ومتابعة الواجبات والمشاريع دون التركيز على تعليم القيم وتنمية الاتجاهات الايجابية بالاهتمام بالمتعلم، فأصبح الطالب يعيش في عزلة نفسية داخل المدرسة والصف لأنه لم يجد المعلم والإداري والمدير الذي يهتم بالجانب الانساني وبتعزيز العلاقات الانسانية، وخاصة في الحالات التي تستدعي اهتماما خاصا لظروف مرضية أو اجتماعية أو نفسية وهذا ما نراه اليوم في الهموم التي تعيشها كل أسرة كويتية التي حولت بيوتها إلى مدارس مسائية لأنه لا يوجد أي بيت يخلو من المدرسين الخصوصيين لأسباب تعود إلى عدم تمكن المعلمين من المادة العلمية ومهارات التدريس وغياب الجانب الانساني في عملية التعليم فاصبحت مدارسنا وصفوفنا مصدر رعب وخوف وعنف.

اضافة إلى ما سبق نجد ان انماط التوجيه والاشراف الفني والمهني على المعلمين من قبل مديري المدارس والموجهين الفنين ورؤساء الاقسام اصبح الكثير منهم همه تصيد الاخطاء وملاحقة المعلمين فقط في تنفيذ المنهج بحسب الخطة وهل استخدم التكنولوجيا داخل الصف ام لا وما مصادر التعلم التي استخدمها، وما نسب النجاح في المادة الدراسية وغيره الكثير من السلبيات التي انعكست على مخرجات التعليم المخجلة، وهذا ما نراه للأسف أمام تخلف أساليب الإشراف الفني والاعتماد على التقليدية في التفتيش على المعلمين لملاحقة أخطائهم وليس لتنميتهم المهنية ومساعدتهم في تقديم الحلول لمشاكلهم.

فقد انحرف نظام المتابعة الميدانية عن مساره المهني مما اوقع الكثير من المعلمين في اخطاء مهنية خطيرة وممارسات سلوكية سلبية.

وعلى الرغم من ان الميدان التربوي يضم أعدادا لا بأس بها من المعلمين الأكفاء الذين نالوا من التعليم والتدريس المتميز الذين يستطيعون ان يحدثوا التغيير المنشود الا انهم للاسف يواجهون قيادات مدرسية متخلفة ولا تصلح لأن تدير صفا دراسيا فكيف لها ان تكون مسؤولة عن مدرسة بأكملها. أضف إلى ذلك بعض هذه القيادات تؤمن بأن إدارة مدارسها يكون من خلال مكتبها لأن لديها من الأفراد كمخبرين سريين يتابعون لها سير النظام المدرسي بأسلوب تعسفي وتطرف في أساليب التعامل مع المعلمين والطلبة وأولياء الأمور، وأمام صمت المناطق التعليمية حيث بعض قيادتها تم اختيارهم في محاصصة اجتماعية أو سياسية فوصل إلى مراكز القرار من ليس من المهنيين والمتمكنين من فنون القيادة والإدارة فأصبحت المدارس تدار بأساليب تعسفية وتصفية حسابات.

فمن يتحدث عن إصلاح المدرسة اليوم وكيف نستطيع ان تواجه التحديات الإدارية والمهنية يتطلب ان نقوم بثورة لتغيير السياسات المعمول بها في إدارة التعليم ومؤسساته لأن وضع حلول مؤقتة لن يجدي نفعا.

والسؤال الذي يطرحه أي مواطن أو مسؤول: كيف نبدأ في الإصلاح ومن أين نبدأ ومن المسؤول عن الإصلاح؟

نؤكد أن إصلاح التعليم المدرسي مسؤولية الجميع بدءا من الأسرة، الوزارة، المدرسة، المجتمع وغيرها، وتكون البداية في التالي:

اولا: وزارة التربية في اجهزتها الرقابية والإدارية والمتمثلة في إدارة المناطق التعليمية وقطاع التعليم العام وجهاز التوجيه الفني، يجب التحول من القيادة المكتبية إلى القيادة الميدانية في المتابعة المستمرة لكل ما يحدث داخل المدراس والفصول وتوثيق ذلك في تقارير أسبوعية تعمل على متابعة وتقويم أداء الهيئات الإدارية والتعليمية بهدف تسهيل عملهم في مرونة ومهنية ومحاسبة المقصر ليس في النقل التأديبي فقط، وانما في تطبيق القانون مع تأمين الأمن الوظيفي للجميع وفتح قنوات الحوار وابداء الآراء بحرية والعمل بالفريق الجماعي في مواجهة كل المشاكل الميدانية بعيدا عن التحزبات التي نخرت البناء الاجتماعي لمدارسنا فتفشت الفزعة المتطرفة وغابت نماذج القدوة الصالحة للأسف كل هذا بعلم بعض القيادات حتى انتقل إلى الكيان الطلابي بكل اشكاله.

ثانيا: الالتزام في حصر جميع الحالات الخاصة للمتعلمين والتي تتطلب رعاية ومتابعة مستمرة في المدارس من خلال نماذج معتمدة يزود بها المعلمون والاخصائي الاجتماعي والإدارة المدرسية على ان تعتمد المنطقة التعليمية هذه المعلومات ولا تترك لاجتهادات غير موثقة، وهذا للاسف منتشر كثير في مدارسنا مما انعكس على ممارسات غير مسؤولة في تقييم هذه الحالات ووضع برامج للمتابعة وتطوير حالتها وكيفية تسهيل تعليمها.

ثالثا: تقييم جميع العاملين في المدارس والهيئة الفنية والإدارية في المناطق من خلال مؤشرات تقييم معتمدة للكشف عن جوانب الخلل في الأداء والعمل على علاجها من خلال برامج تدريبية ومهنية مستمرة طوال العام الدراسي، مع اشراك ولي الأمر في تقييم أداء المدارس والمعلمين والمدراء للوقوف على جوانب الضعف والخلل بهدف مواجهة كل ما يعيق العملية التعليمية، وهذا يؤكد اهمية اعتماد رخصة التعليم للمعلم ومدير المدرسة والموجه الفني في تعيين هذه الفئات في الوظائف الاشرافية والتعليمية.

رابعا: اعادة النظر في جهاز التوجيه الفني في المناطق التعليمية بأن يكون هناك مسارين للتوجيه:

١- الموجه الفني المقيم في المدرسة لتقديم الدعم الفني والمهني في تطوير أداء ومراقبة المعلمين بشكل مباشر بهدف الاشراف المهني لتطوير ادائهم التعليمي والتدريسي بحيث يكون لكل موجه عدد لا يزيد على ٥ مدارس، حيث يسهم في وضع تقيم للمعلم إلى جانب رئيس القسم ومدير المدرسة.

٢- الموجه الفني للمنطقة التعليمية ويكون مسؤول عن متابعة النشرات والاختبارات واعداد الاحصائيات والمشاركة في لجان المناهج.

خامسا: منح إدارات المدارس المرونة واللامركزية في الإدارة مع تحمل كافة المسؤوليات والزامها في الاشراف المباشر على إدارة المدرسة مع المتابعة من قبل المنطقة مع فتح قنوات التواصل مع أولياء أمور الطلبة والاستماع إلى ملاحظتهم بعدالة ودون تمييز بحيث تكون الأسرة جزءا مهما من النطام المدرسي.

سادسا: يحب ان تعيد المدرسة في الكويت ثقة المجتمع بكل مؤسساته بأن تعمل على تعزيز القيم والمبادئ وأنها منارة للعلم والتطوير لبناء الانسان الكويتي.

هناك عدد من المدارس التي تمثل نموذجا رائعا لكن للأسف تواجه تحديا ورفضا في عدم وجود الدعم الإداري لانه مازالت بعض قيادات المناطق التعليمية تريد إدارة المدارس في نمط تقليدي عقيم فنجدها تبحث عن اخطاء غبية وغير مستحقة.

في الوقت هناك عدد من المدارس التي مهمتها زرع الكراهية والاحباط ومحاربة الابداع، اما على مستوى الطلبة أو المعلمين أو أولياء الأمور وكأن المدرسة ملكية خاصة لمديرها، ويؤسفني اعلنها بأنها في تزايد في مدارس الاناث.

سابعا: ثورة الإصلاح المدرسي ليست فقط في تغيير سياسات الإدارة التعليمية والتربوية ولكن ايضا نحن في حاجة إلى اعادة النظر في النظام التعليمي من مناهج دراسية في محاور (الأهداف التعليمية ومحتوى الكتب الدراسية، وطرق التدريس وأساليب التعلم والتقويم والمتابعة الميدانية للطالب والمباني والخدمات الإرشادية والنفسية وغيرها) فلا زلنا ندير تعليمنا في نفس الاسلوب بدون رؤية واضحة تنفذ من خلال برامج عمل معتمدة لا تخضع إلى اجتهادات كل وزير يأتي.

فإدارة قطاع التعليم يجب ألا تخضع إلى التسييس والمحاصصات التي تجعل بعض القيادات تنفرد في اتخاذ القرارات التي مازال الشعب الكويتي يدفع ثمنها من أخطاء تعتبر جريمة في حق الدولة اولا ثم تعليم المواطن الكويتي رغم صرف المليارات على التعليم.

وعليه يجب التوقف فورا عن الاستمرار في تطبيق اية محاولات في برامج أو سياسيات أو مناهج تعليمية أو تجديد عقود وتكليف فريق ذي كفاءة من ابناء الوطن بموضوعية ونزاهة لمراجعة كافة الملفات التعليمية ووضع برنامج عمل يتم تطبيقه على مستوى كافة مؤسسات الدولة، فالنظام التعليمي لا يرتبط بمنح الطالب شهادة بهدف الوظيفة، وانما التعليم هو بناء الانسان المواطن الذي يملك مبادرة التغيير لتحقيق التنمية التي نتطلع اليها نحن الكويتيين.

هذا يحتاج إلى قرارات جريئة على مستوى اعلى القيادات وبدعم من الجميع. فكفانا عبثا في تعليم ابنائنا، ومن يعتقد أن ابناؤنا في الكويت يتعلمون فهذا وهم وخيال وإلا لماذا يرسب ابناؤنا في اختبارات القدرات العالمية والبعثات وغيرها الكثير رغم انهم يمتلكون الذكاء والقدرات، ولكن بفضل تخلف التعليم وتقليدية التدريس التي تعتمد على الحفظ والتلقين جعلتهم يرددون المعرفة دون استخدامها.

لهذا فالإصلاح المدرسي سيظل الثورة الصامتة في زمن تخلف قيادة التعليم وإدارته ولن نخرج من عباءته الا عندما يشاء الله.

اللهم احفظ هذا البلد واجعله آمنا مستقرا وباقي بلاد المسلمين.

د. سلوى عبدالله الجسار – الأستاذ المشارك في كلية التربية جامعة الكويت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock