كتاب أكاديميا

محمد بن خواش يكتب: ملخص الحياة

‏بعد منتصف الليل وأثناء سكونه وعتمته، جاءت إليّ و وقفت عند رأسي، وأخذت تنظر مشفقةً علي من حالي،

‏فسألتها متعجباً من أنتي؟

‏ فأجابت أنا (الحكمة) أيها الحيران، أنا عصارة تجارب الحياة، أنا ما يتعلمه الإنسان بعد الحوادث والمحن، وأنا الإلهام بعد التفكير والتدبر، وأنا استشراف المستقبل ومعرفة المقصد.

‏فسألتها: وكيف اهتديت إليّ في هذا الوقت المتأخر من الليل؟

‏فقالت لي: سمعت أنين نفسك من بعيد فجئت لأواسيها، فقامت بكفكفة دموعي بيدها، ثم قالت إنيّ أرى في نفسك أسئلةً كثيرة واستفساراتٍ عديدة، فافتح لي نافذة قلبك لأريك السبيلا.

‏فقلت لها: يا أيتها الحكمة من أكون؟، وكيف آل بي المآل إلى ما أنا عليه الآن؟ ولما لدي هذه الطموحات الكبيرة؟ والكتابات الكثيرة؟ ماتلك الأحلام التي تمرّ في مخيلتي كأسراب الطيور؟

‏ ماهذه النفس التوّاقة المتلاعبة بي؟، التي لا تبقى على حال، ودائماً تجدد الآمال، وكلما قطعت مرحلة أرادت ما بعدها، وما هذه النفس اللوامة كثيرة التردد والتلوم، وكثيرة التقلب والتغير من حال إلى حال، فتارة تفرح وتارة تحزن، وتارة تطيع وتارة تعصي، وتارة تنيب وتارة تجفو، وتارة تحب وتارة تبغض، و ماهذه النفس الأمارة بالسوء التي تدفعني لما أبغض وأكره؟!

‏ آآآه ، وماهذه الحياة التي لا تبالي بمن يحياها ولا تتوقف لتراعي حزن أو انكسار أحد منهم وكلها آلام لا تنتهي وجروح لا تنبري؟! أودعت أحلام الكثيرين في قاع المستحيل.

‏فوضعت الحكمة يدها على صدري بالقرب من قلبي حتى شعرت انها لامست روحي، فقبلت جبيني ثم قالت:

‏أيها الحيران: إنك تأمل الدنيا والموت يطلبك، وتغفل وفوقك من لا يغفل عنك، وتضحك ملء فاك وأنت لا تدري أساخط ربك عليك أم راض.

‏واعلم أيها الحيران: إن مابعد الموت هي الحياة الآخرة؛ الحياة السرمدية التي لا موت بعدها، وهي التي يجب أن يكرس الإنسان نفسه لها، ويعمل ويطمح، بدلاً من هذه الحياة الدنيا التي نعيشها والتي ماهي إلاّ محطة عبور.

‏ويا أيها الحيران: كُن على ثقة ويقين، بأنه مهما تزعزعت أمورك في هذه الدنيا، سيمكنك الله من تجاوز كافة المحن لأنه قد مدّك بقدرة تحمل تمكنك من تجاوزها، فقد قال تعالى : ” لا يُكلّف الله نفساً إلا وسعها “.

‏قال الشاعر:

‏الجأْ لربِّك إنْ ضاقتْ بكَ السُّبُلُ

‏واسقِ الدُّعاءَ بما جادتْ به المُقَلُ

‏وكنْ على ثقةٍ فيمَنْ تَلوذُ به

‏سَهْمُ الدُّعاءِ إذا أَطْلقتَهُ يَصِلُ

‏مُلخّص الحَياة .. ” إلى ربّك الرُّجعَى ”

‏ محمد بن خواش

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock