أخبار منوعة

الدكتور لوجان كوكرين يكتب : لقاحات كوفيد-19 قادمة إلى حيز الوجود، ولكن من سيحصل عليها؟

الدوحة، 12 سبتمبر 2020: تشير نتائج الأبحاث الجارية حاليًا إلى أن لقاحات فيروس كوفيد-19 قادمة إلى حيز الوجود. وتتلقى الشركات المصنعة لهذه اللقاحات طلبات شراء مبكرة بمليارات الجرعات. وتوقع الدول صفقات لتأمين الإمدادات من الطاقة الإنتاجية المحدودة لتلك الشركات. وتعمل المنظمات غير الحكومية والمنظمات الحكومية الدولية على تمكين وصول الأفراد في جميع أنحاء العالم إلى هذه اللقاحات.

ومع ذلك، هناك سؤال لا يزال يطرح نفسه يتعلق بهوية الأفراد الذين سيحصلون على تلك اللقاحات، حيث تمتلك بعض المنظمات، وخاصة في القطاع الخاص، فقط القدرة على تصنيع هذه المنتجات المعقدة. وإذا ما أنتجت الشركات المصنعة للقاحات ملياري جرعة، فستكون هذه الكمية كافية لفرد واحد فقط من بين كل 4 أشخاص حول العالم. ويفترض هذا الطرح أن التطعيم سيكون فعالاً باستخدام جرعة واحدة فقط. ولكن بعض اللقاحات تتطلب تناول جرعات متعددة، بينما تتطلب اللقاحات الأخرى تلقي جرعات معززة. ويتناول المرضى في جميع أنحاء العالم لقاحات الأنفلونزا سنويًا. ويمتلك فيروس كوفيد-19 القدرة على التحول، وهو ما قد يتطلب القيام بعملية إعادة تطوير منتظمة. ومن شأن مثل هذه السيناريوهات أن تحد من قدرة الأفراد على الوصول إلى اللقاح.

إمكانية الوصول والمساواة

تتعلق الإجابة على السؤال المطروح حول هوية الأشخاص الذين سيحصلون على اللقاحات بالشركات التي تمتلكها ومن لديه القدرة على الوصول إليها أو شرائها. ويمكن أن يساهم غياب المساواة في الوصول إلى تلك اللقاحات في تعميق الظلم ورفع مستويات التباين بين الأفراد في الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية، حيث ستحصل الحكومات التي تتمتع بالقوة المالية والسياسية على الأولوية في الوصول إلى لقاحات التطعيم ضد فيروس كوفيد-19. ومثل هذه النتائج متوقعة في نظام رأسمالية السوق الحرة. وقد تبحث البلدان التي لا تتمتع بهذه القوة عن بدائل للوصول إلى اللقاحات، مثل فتح مراكزها الصحية لإجراء التجارب السريرية، تمامًا كما فعلت البرازيل. وتعكس بعض المحادثات الدائرة في أوساط المجتمع الدولي إعلان الدوحة لعام 2001، الذي أكد على ضرورة ضمان أن تكون تكلفة الأدوية الضرورية في متناول الجميع.

وليست مشكلة عدم المساواة في الوصول إلى الأدوية الضرورية بالمشكلة الجديدة. فعلى سبيل المثال، رغم اعتماد أول علاج للأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية في عام 1987، فقد استغرق الأمر عقودًا ليصبح العلاج متاحًا على نطاقٍ واسعٍ في بلدان مثل إثيوبيا. وعلى الرغم من أن الرحلة لا تزال طويلة وصعبة، فقد تم إحراز تقدم كبير على طريق التغطية الشاملة لتلك الأدوية الضرورية. وكان من بين الدروس الأساسية المستفادة من تلك التجربة أن الاستجابات التي اعتمدت على الحكومات والدعوات إلى تبني النزعة القومية لم تعزز الوصول الشامل إلى هذه الأدوية.

 

التضامن العالمي كحل للمشكلة

لتعزيز إمكانية الوصول إلى الأدوية الضرورية في جميع أنحاء العالم أثناء انتشار وباء فيروس نقص المناعة البشرية، تطلب الأمر توطيد التضامن العالمي وتطبيق أنظمة جديدة تمامًا، حيث تعين تعديل بعض بنود قوانين حقوق الملكية الفكرية وبراءات الاختراع المحمية بموجب اتفاقيات التجارة الدولية. وكانت هناك حاجة إلى زيادة التمويل لضمان أن تكون الطلبات كبيرة بما يكفي لخفض تكلفة العلاج. وبالنسبة للبلدان ذات القدرات المالية والإنتاجية المحدودة، تطلب الوصول إلى الأدوية الكافية الدخول في تحالفات بين الحكومات وشركات القطاع الخاص والوكالات الحكومية الدولية. وقد طرحت مجموعات الدعم في المجتمع المدني هذه التغييرات ودفعتها إلى الأمام.

وبالنظر إلى هذا التاريخ، لا ينبغي أن نتفاجأ إذا ما علمنا أن من بين الأشخاص الذين يقودون الجهود الرامية لتعزيز سبل الوصول إلى لقاح للأفراد المصابين بفيروس كوفيد-19 السيدة ويني بيانيما، المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة المشترك لمكافحة فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز). ومع ذلك، وإدراكًا للتحديات والعقبات التي ظهرت جنبًا إلى جنب مع التقدم الذي تحقق في الماضي، لا يدعو هؤلاء القادة إلى تكرار الخطوات التي اتُخذت من قبل. ويتماشى ذلك مع التغييرات المطلوبة في خطة التنمية المستدامة لعام 2030، التي تعيد توجيه الجهود لضمان عدم تخلف أحد عن الركب. وقد أكد أشيل مبيمبي أن هذا ليس وقت العلاج السطحي والظاهري لتشققات النظام المتصدع، بل ينبغي علينا، كما يدعونا، إعادة تنظيم كل شيء.

لقاح للجميع

 

ولكن، ما هو الأفق الجديد الذي يوجهنا هؤلاء القادة نحوه؟ إنهم يوجهوننا إلى تطوير لقاح لجميع الناس، بحيث لا يكون  مملوكًا للشركات بتكلفة منخفضة. وبالأحرى، فإنهم يدعون إلى إنتاج لقاح عام يقدم مجانًا “لجميع الناس”، في كافة البلدان. ويجب أن يكون لقاح التطعيم ضد فيروس كوفيد-19 لقاحًا عامًا، تمامًا مثل لقاح شلل الأطفال، وألا يكون محميًا ببراءة اختراع أو أن يكون مملوكًا لشركة واحدة. ومع ذلك، يمثل هذا الأمر مجرد بداية لإعادة بناء النظام وتحويله.

وتمتلك الشركات كذلك الغالبية العظمى من الأدلة العلمية. ويطالب هؤلاء القادة بأن تكون جميع الأدلة متاحة ومجانية. وتكمن خطة التوزيع الحالية للقاحات في أن تكون الدول الأكثر ثراءً هي الأولى على قائمة الدول التي ستحصل على اللقاحات. والمطلوب هو التوزيع العالمي العادل، ليس فقط لهذه اللقاحات ولكن أيضًا لوسائل الفحوصات وأدوات ومعدات الحماية. ويمكن أن يحدث هذا فقط إذا تم تغيير أنظمة الإنتاج بأكملها. وسوف يتساءل الرافضون لهذه الفكرة عن تكلفة الامتناع عن تنفيذها.

ومن المتوقع أن تصل تكلفة جائحة كوفيد-19 إلى مبلغ يتراوح ما بين 8 إلى 16 تريليون دولار. ولن تكون هذه الجائحة آخر حالة طوارئ صحية عالمية، ولكنها واحدة من بين العديد من الأمراض الوبائية الحالية، ونوع واحد من فيروس كورونا. ولم يكن السؤال يدور أبدًا حول إمكانية حدوث جائحة عالمية، ولكنه كان يتعلق على الدوام بموعد حدوثها. ونحن نعلم النتيجة التي ستؤول إليها الأمور إذا تُركت هذه المسألة لرأسمالية السوق الحرة، التي تتميز بأنها ليست غير عادلة فحسب، بل إنها ستعرض جميع الأفراد والاقتصاد العالمي للخطر.

وتتطلب الأنظمة الأكثر عدلاً التي تهتم بعلاج جميع الأفراد في كافة البلدان تبني نوع من التغيير. ولن يحدث هذا التخلي الجذري عن الممارسات غير العادلة المطبقة حاليًا من تلقاء نفسه. وإذا واصلنا السير في الطريق الذي نسير فيه، فسوف يتزايد اتساع وعمق التفاوتات في مستويات خدمات الرعاية الصحية المقدمة للأفراد. ونحن لدينا فرصة للسير في اتجاه جديد، ولكن هذا التوجه يتطلب المزيد من العمل. والأمر متروك لنا، نحن الأفراد ومنظمات المجتمع المدني والائتلافات، لممارسة ضغوط لا هوادة فيها على السياسيين والشركات للقيام بذلك. والخيار في أيدينا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock