كتاب أكاديميا

مكتبة لا أنساها | كتب: أ.د. لطيفة حسين الكندري

قبل عشرين سنة اصطحبت ابني أحمد وذهبت إلى مكتبة عامة في مدينة بتسبرغ الأميركية لسماع قصص مُعدة للصغار، وكان عمر ابني يومها ستة أشهر. كانت البرامج تحت إشراف متخصصين من مكتبة كارنيغي في مدينة بتسبرغ (Carnegie Library of Pittsburgh). تعتبر مكتبة كارنيغي العامة من المكتبات العريقة عالمياً في ميدان قصص الأطفال إذ بدأت تقدم فعالياتها القصصية منذ بدايات القرن العشرين.

ولدت فكرة المكتبة في عام 1881 على يد أندرو كارنيغي، واليوم يزورها قرابة ثلاثة ملايين شخص سنوياً ولها العديد من الأفرع. ترك كارنيغي لأمته قرابة 2811 مكتبة و22 معهدا، وساهم في اعداد المتاحف والمؤسسات العلمية والثقافية وما زالت تمارس دورها الحضاري.

كثير من الأثرياء يرحلون عن الحياة على استحياء ولا يكاد يكتب المؤرخون تاريخ حياتهم إلا على خجل.. ملايين ينفقونها على تفاهات لا عوائد لها، أما كارنيغي، الذي كان في عصره أغنى إنسان، فنجح في أن يقدم للبشرية صورة حضارية مضيئة عن عالم الثراء، ولأنه وهب أمواله لعمل الخير على نحو فذ، لا سيما في ذاك العصر. لم يزور كارنيغي تاريخه، بل كتب بفخر أنه كان إنسانا فقيرا كادحا حالما، هاجر في طفولته الباكرة من اسكتلندا إلى أميركا، وهناك صنع مجده، وسطع نجمه، وشق طريقه نحو القمة السامقة وسط تحديات جمة.

استخدم أندرو كارنيغي ثروته الطائلة في أعمال الخير والأموال في كل دقيقة تتدفق من صناديقه ومؤسساته الخيرية إلى هذا اليوم دعما للسلام ونشرا للعلم، ومكافحة للفقر. وآمن ايمانا راسخا بأن الفكر سبيل الثراء والارتقاء. هذا المحسن الكبير ترك الحياة وما زال الباحثون يسجلون الصفحات تلو الصفحات عنه، وباتت الأفلام الوثائقية التأريخية تحلل شخصيته، وبإعجاب. حياته تلهم الناس بضرورة ترك بصمة إيجابية في الحياة، وخير البصمات تلك التي تخدم البشرية جمعاء وتحصنهم بالعلم وتجعل المجتمع يقوم على دعائم المكتبات العامة.

عالج كارنيغي الفقر بنشر العلم عبر وسائط المكتبات، وها هي مؤسساته تقدم للفقير الدورات التي تنمي المهارات فتعالج جذور مشكلة الفقر التي تتفاقم مع الجهل.

مكتبات كارنيغي لا يمكن أن تُنسى في فكري ووجداني وتاريخ مسيرتي كنت وما زلت أحلم أن تصبح المكتبات العامة جاذبة لجميع أفراد المجتمع وما زلت أحلم وأسعى أن أجد في بلدنا باصات «مكتبة متنقلة» راقية تحبب الأطفال بالقراءة وتجوب شواطئ الكويت ومدنها ومدارسها وتحط رحالها تارة في حديقة الشهيد وتارة أخرى في البر عند مخيمات الربيع أو المجمعات التجارية الكبرى. المكتبات بكل أشكالها وأحجامها علامة على رقي المجتمع شاهدتُ في هولندا وتركيا واميركا مكتبات جميلة أقرب إلى الخيال فلماذا أصبحت في بلادنا صعبة المنال؟

لقد وجد أبنائي في مكتبة كارنيغي ضالتهم في مجال الرياضة وعالم الأفلام والفيديو والأنشطة الثقافية المختلفة. أن تذهب الأسرة إلى المكتبة مع طفلها الرضيع من أروع الأمور الحياتية التي عشتها يومئذ.

للأنشطة الثقافية دورها الكبير في صناعة حياتنا وتحسين معيشتنا وتطوير مجتمعنا. الاطلاع على تاريخ الشعوب من أنفع الوسائل لتوسيع آفاقنا. قبل أكثر من قرن من الزمان اعتقد كارنيغي أن أعظم انجاز يقدمه المرء لمدينته بناء المكتبات العامة التي تعمق أواصر المجتمع وتجعل الحياة أفضل وبذلك سبق عصره ببصيرته الصائبة.

أ.د. لطيفة حسين الكندري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock