كتاب أكاديميا

د.دلال الردعان تكتب : مطلوب استشاري نفسي 

 إنها حقاً مأساة ولا أعلم كيف سأبدأ بالحديث عنها، فكيف لأسرار البشر وخصوصياتهم وحجم الألم النفسي الذي يعانونه أن يكون في متناول غير المختصين وغير المؤهلين، بحيث ينصتون إليها وهم لا يعيرون لهذه الاحاديث والفضفضة أي مبالاة، كيف يُسمح لهؤلاء الفاشلين ان يتقاضوا المال في مقابل الرقص بغباء وخبث وطمع وجهل على جروح الصابرين على كم الالم النفسي الذي يقبع في صدورهم ليرضي هؤلاء غير المختصين نفوسهم المريضة بسماع هذه التفاصيل بل ويكبدونهم عناء الجولات في المكاتب الاستشارية من غير جدوى بعد ان يخيب ظنهم في الامل بالعلاج في حضرة مراكز هؤلاء الاستشاريين النصابين، والأدهى من ذلك أنهم يوجهونهم التوجيه الخاطئ والمضلل الذي يجعل حالاتهم تزداد سوءاَ، إن العتب إذا وجب تقديمه في هذا المقام فإنه يقدم للمسئولين عن استصدار التراخيص التجارية لهذه المكاتب الاستشارية لمثل هؤلاء الغير المحترفين الذين تجردوا من انسانيتهم وتاجروا بمعاناة الناس وأحاسيسهم واضطراباتهم، لأنه ليس من العدل والانصاف أن يمارس العمل الارشادي من يفتقد ابسط المعايير المهنية والاخلاقية في هذا المضمار، التساؤل هنا كيف يرقد هؤلاء مرتاحين الضمير وبهدوء نفس تام بعد ان يكونوا قد عبثوا بحماقة في خبايا الالام التي تعتصر هؤلاء المضطربين نفسيا وبلا رحمة. إنها فوضى الإستشارات الأسرية التي وصلت الى تقديم الاستشارات عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت أكبر سوق خصبة للاستشاريين الوهمين، بعد أن سيطروا على منافذ تواصل عدة من الرسائل النصية او حتى برامج الاستشارات على الشاشة الفضية، إن مجرد دفع مئات الدنانير فقط قد تكفل لك إسم مستشار أسري معتمداً ومن جامعات غربية أيضاً، وهذه حقاً إعلانات إنتشرت في الإنترنت عن مثل هذه الدورات التدريبية.وفي الحقيقة إنه من المفترض ان يكون المستشار الأسري شخص متخصص في ميدان علم النفس الارشادي والاكليتيكي والطب النفسي او الخدمةالاجتماعية و مؤهل تأهيلاً علمياً صحيحاً في فنيات واساليب الإرشاد الأسري والفردي والزواجي والمهني، وهذه التخصصات هي المعتمدة في الولايات المتحدة لممارسة الإرشاد، وهي مهنة تقوم على معرفة علمية، بثلاث مرتكزات وهي المعرفة العلمية، والمهارة والقيم السائدة في المجتمع، بدون هذه لا يمكن أن يمارس الإرشاد، هذه مهنة تقارن بالطب في الدول الغربية، فإنه ليس من المنطقي لمتخرج طب أن يجري عملية قلب مفتوح قبل أن يكتسب المهارة المافية لإحراء مثل هذا النوع من العمليات، اليوم في الولايات المتحدة حتى تكون أنت ممارس يجب أن تقضي على الأقل ما بين 1200 إلى 1500 ساعة تحت إشراف متخصص في المجال، ما لدينا اليوم في عالم الاستشارات فوضى فأنت كمرشد نفسي لا يكفي ان تكون حاصل على المعرفة حتى تصبح مرشد ممارس، فالأساس هنا هو المهارة التي لا تأتي إلا من خلال الممارسة، عدم وجود ممارسة مع عدم وجود تقييم لهذه المعالجات والمعرفة العلمية كفيلة بأن لا تُرخص كمرشد نفسي لتقديم العلاج . وبكل أمانة. لا يجب ان يكون الارشاد عبث بمشاكل الناس وآلامهم ،لذا يجب ان ينظم العمل وتوضع اللوائح والشروط في فتح المكاتب الاستشارية وتوضع المعايير لتلك المهنة وممارسوها ، كما يجب ان تنظم البرامج والجهود لرفع مستوى الوعي المجتمعي لدى أفراد المجتمع لمعرفة من هو الشخص المناسب والمؤهل الذي يمكن أن يُقدم المساعدة لهم كما ان القصور الذي نشهده من المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني المعنية بالأسرة والإصلاح بعدم تكثيف الجهود من خلال القنوات الموثوقة التي يقوم عليها مؤهلين ستغلق الباب على الدخلاء وتحد من هذه الظاهرة خاصة ممن يطلقون على انفسهم المدربون المعتمدون في تخصصات البرمجة العصبية والتنمية البشريةو الخطورة في موضوع الاستشارات الاسرية من قبل الوهميين هي في الواقع قضية فساد مجتمع بأكمله وهدم هذه الأسر في ظل غياب المصداقية حيث انه ربما يتم النصح بشيء لا يكون هو العلاج الناجح لمشاكل ومعاناة مما يفسدها أكثر من إصلاحها، وفي الختام يجب أن يكون هناك نظام رقابي وعقوبات لإيقاف هذا العبث، ولإيقاف هذا المد الذي يعبث بحياة الناس واسرارها وخصوصياتها.أسأل الله أن يعين المضطربين والذين يعانون نفسياَ ويخفف آلامهم ومعاناتهم وأن يبعد عنهم من يظنون أنهم يقومون بتقديم العلاج النفسي المناسب وهم في الحقيقة “يطقون حنك” و ” يسولفون” مع المضطربين النفسيين ويتلصصون على اسرارهم الشخصية وخصوصياتهم النفسية .د/ دلال عبدالهادي الردعاناستشارية نفسية وعضو هيئة تدريس في كلية التربية


займ на карту быстро

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock