كتاب أكاديميا

الواسطه بين الواقع والمأمول بقلم: أ. شهد الحميداني

لو أملك صوتاً عاليا لناديت به امنعوا الواسطة كي ترتفع الكفاءة وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اذا وسد الأمر الي غير أهله فأنتظر الساعة ) الواسطة تعبر عن واقع مؤلم، والرضا به يعتبر قناعة من نوع حقير؛ كونه أكثر أنواع الفساد شيوعا بالأوساط الادارية، والاجتماعية، بل الأسوأ من ذلك يمكن فانتظرأن تلغى حقا، أو تحق باطال، وآفة اللجوء إليها – لتحقيق الرغبات، وبلوغ الآمال، وتسيير الأمور اليومية مهما كبرت أو صفرت – يزيد الطين بلة، ومن أخطر نتائج الواسطة أنها تؤدي إلى إيقاع الظلم على كيير من الضعفاء الذين لا سند لهم ولا واسطة، ومصادرة حقوقهم، وعلى المدى البعيد يفقد هؤلاء الثقة في النظام السياسي، ما يضعف الشعور بالمواطنة والانتماء القائم على العلاقة التعاقدية بين الفرد والمجتمع، وتراجع روح الابتكار، وانخفاض مستوى الهيبة على مستوى الإدارات، وكما انتشار شتى أنواع الإهمال ما ينتج عنه من هجرة للعقول، وغياب للاستثمار، وحصول الشرخ في النسيج الوطني وتتجلي الواسطة في

التجارة، وفي الصناعة والاقتصاد، وفي التربية والتعليم، وفي الإدارة والتدبير، وفي الصحة والتعليم، بل أصبحت وللاسف في أغلب مجالات الحياة لاشك أن للواسطة آثارا فادحة وأخطارا كارثية على كيان المجتمع ووحدته، وعلى ديناميكية تطوره وتنمية مشاريعه، ومن الأخطار النفسية للوساطة، الخوف ومضاعفاته، وعقدة الإحساس بالذنب، وغيرها من الهفوات ومركبات النقص الناتجة عن مختلف مظاهر اضطراب الشخصية، و فقدان الثقة في الجهد والكفاءه، وتلاشي الرغبة في إتقان العمل، وتراجع حوافز البحث والابتكار، وارتفاع حالات السرقة والاختلاس، وازدياد حجم التغيب والتملص من العمل النظامي لصالح إنجاز الساعات الإضافية التي تستنزف الجهد والبدن وتخل بالمعايير المهنية في إنجاز الأشفال وأداء الواجب، ثم من الآثار المترتبة علي الواسطة، أثرها في الفساد الإداري، ذلك في ممارسات من قبيل: إهمال البعد المهني أثناء أداء الواجب، وما يرتبط بذلك من غياب الإحساس بالمسؤولية والضمير المهنى، وهو ما يتطور أحيانا إلى حد إفشاء أسرار المهنة مما يعرض الأمن الخاص والعام لآللخطر، و ضعف المردودية وجودة الأداء، وشيوع التزوير والتدليس والغش، وبروز الأزمات، ومظاهر الإفلاس في مؤسسات الدولة ومرافق الإدارة، والتفرقة بين الناس، والتواكل وسوء تطبيق القانون والتحايل عليه، وما ينتج عن ذلك كله من ضياع مصالح الناس. كما تنطوي الوساطة تحت لواء الفساد؛ فالمحاباة والتمييز بين المواطنين بسبب الدين أو العرق أو الصداقة أو القرابة – يمكن تفسيره لدى القائم به على أنه خدمة لقطاع أو مجموعة معينة، غير أن خطورة هذا الشكل تكثن إضافة إلى الإجحاف الاقتصادي بحق مجموعات أخرى من السكان، إلى تحويل المجتمع إلى مجموعات من ذوي المصالح التي تتصارع فيما بينها للحصول على أكبر نصيب من الغنيمة، ويشكل الفساد الإداري أكثر صور الممارسات ١للاأخلاقية التي تعاني منها المجتمعات عامة، وتنتشر بصورة أكبر في دول العالم الثاث؛ حيث أدركت الكثير من الدول المتقدمة خطورة التباطؤ في القضاء على تلك الممارسات، فتحركت الجهود لمحاربتها باعتبارها وباء يفتك بالمجتمعات، ويفتت جهودها، وببهدر طاقات أبنائها، غير أن في الدول النامية ما زالت القوانين والأنظمة البيروقراطية وغياب الشفافية، تحكم قبضتها في أماكن العمل، وتقف حاجزا دون قدرة الفرد على المساهمة في تحقيق الخدمة المثلى لمجتمعه من خلال عمله، والاستفادة في نفس الوقت من مقدرات بلاده.

وتقف الواسطة حائلا دون تحقيق التنمية الإدارية في المجتمع، فالتنمية الإدارية السليمة تقوم على معطيات من قاعدة سيادة القانون التي تعمل الوساطة على تدميرها، وتكرس استعمال الواسطة ظاهرة الاستقواء بأصحاب النفون بدلا من الاستقواء بالقانون؛ أي: إن قانون القوة بجل محل قوة القانون، وإذا عمت الواسطة أصبح يشغل المواقع في الوظائف العامة ليس أكفأ الأشخاص ولا أنسبهم، بل الأقل كفاءة، ولا يخفى ما يمكن أن يترتب على ذلك من تكون بؤر غير صحية في مواقع العمل؛ لشعور الموظفين بالظلم والتمييز والعنصرية،.ولن يكون من السهل على المرء عندما يتعثر ويخطو الخطوة الأولى نحو بؤرة الفساد الاجتماعي، التي هي أشبه بهاوية شديدة الانحدار أن يتراجع، وأن يوقف انحداره السريع نحو.غمق تلك الهاوية، لكن التجارب الإنسانية على مر العصور، قد أثبتت أن معالجة هذه المشكلة الاجتماعية تحتاج إلى تضافر جهود الفرد مع من حوله ومن باقي أفراد المجتمع؛ لأن الفرد لا يعيش متعزلأ، وأن صلاح النفوس لا يمكن أن يتم إلا بدافع الإيمان الذي هو السبيل إلى تغلب المرء على نزواته وعلى دوافعه نحو الفساد، وبأنه طوق النجاة والوسيلة التي تساعده على السير في طر.يق الصلاح والهداية، والتي تقوده أيضا إلى السكينة وإلى راحة الضمير

ان الواسطة وليدة منظومة استبدادية، لم يكتو بنارها إلا الفقراء ومتوسطو الحال على حد سواء، وأنها باب المحاباة، أو مقابل رشوة يز.يذ مقدارها أو ينقص، بحسب قيمة الخدمة المبتغاة أو المسداة، وبحسب طبيعة الموانع التي تحول دون تحقيقها، وقد أصبحت.ثملة رائجة، وسلوكا شائعا، وقاعدة بها يتقرر مصير آلاف الأشخاص، وبها بقضى آلاف الرغبات والحاجات، وأضحى أمرها لدى المواطنين طبيعيا لا يدعو إلى الدهشة، ولا بيير الاستغراب، بل يراها كثيرون بمثابة القانون أو القدر الذي لا مفز منه؛ فالوساطة لمن يملكها، والرشوة لفاقد الأولى.
أ. شهد الحميداني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock